لماذا لم تنجز المصالحة الفلسطينية حتى الآن

إسلام أبو عون
06-12-2020






كتب: اسلام أبو عون

 

تتزايد الإشارات التي تنعى الجولة الاخيرة من جولات المصالحة الفلسطينية والتي بدت للوهلة الأولى مختلفة عن سابقاتها من الناحية الاعلامية والحاجة الملحة والوجودية من طرف السلطة الفلسطينية والمبالغة في تأكيد اختلاف هذه الجولة من طرفي الانقسام الفلسطيني والذي يعيش عامه الرابع عشر على التوالي.

وتعزى اشارات الفشل هذه المرة حسب المتابعين إلى التغير المرتقب في الادارة الامريكية وما يرتبط به من انهيار مشاريع ادارة ترامب التصفوية كصفقة القرن والمخططات المسربة لرغبة في تغيير قيادة السلطة الحالية، وتوقفت مشاريع الضم حاليا عبر استفادة تل أبيب من موجة التطبيع العربية الأخيرة غير المسبوقة. والربط المتوقع بين الانتخابات الأمريكية ومصير المصالحة كان ملازما للشارع السياسي الفلسطيني وكذلك للرأي العام والذي ظهر غير متحمس أو مبالٍ بالجولة الأخيرة من المحادثات واللقاءات والمؤتمرات على اعتبار نهايتها المؤكدة في حال ازاحة ترامب من البيت الأبيض.




وتوضع هذه الجولة الى اخواتها من الجولات السابقة للحوار الداخلي  منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007 وحتى قبل ذلك، والتي لم تصل لحل الاشكاليات التي ترتبت على نتائح آخر انتخابات تشريعية حدثت؛ دون الخوض بطبيعة الاحوال في أسباب ومجربات الاحداث لاحقاً, وقد تابع الشارع الفلسطيني جولات متعددة توزعت جغرافيا بين القاهرة واليمن ودمشق والدوحة واسطنبول وموسكو وحتى وصلت الى السنغال بالإضافة الى جولات داخلية في قطاع غزة.

ويعيد فشل الجولات في كل مرة الاعتبار لفكرة متداولة وينظر لها كثير  ترى استحالة التصالح لاختلاف البرامج والرؤى وعدم تبني أي طرف لطروحات الآخر, بالتالي فالفشل حتمي كما يحدث ويخرج المتبنون لذلك ليعايروا  من حاول أن يتفاءل فهل فشل كل الجولات محتوم؟  وإذا كان كذلك فلماذا يصر قادة الحركتين على "تصدير الوهم"  واشغال الرأي العام بتلك الماراثونات المتكررة ؟

والحقيقة ان  دراسة نماذج الخلافات الداخلية والنزاعات بالإضافة إلى الحروب الاهلية التي تم انهاءها والوصول للتعايش والاستقرار  في المنطقة العربية والعالم يظهر الانقسام الفلسطيني كحالة أقل عمقاً, فهو وإن شهد معارك عسكرية في مراحله الأولى ولكن لا يعد حرباً أهلية,  وتعد مرجعيات الانقسام سياسية حزبية  بعيدة عن التقسيمات الإثنية والطائفية والمناطقية وذلك لكون الطرفان المتخاصمان يشتركان في كل هذه العوامل،  وبالتالي يصبح الرأب أكثر قابلية  خاصة مع توقف فاتورة الدم،  وعدم اختراق الانقسام للنسيج المجتمعي بشكل عام والحفاظ على الجبهة الداخلية التي ترى في عمومها  ضرورة التصالح وتنادي بالوحدة في كل موقف تحدي للقضية الفلسطينية

ومرد الفشل بشكل رئيسي  حتى الان في جولات المصالحة السابقة يتمثل  في عدم بنائها على حقيقة واقتناع بالشراكة السياسية واستحالة القضاء على الآخر؛ وهي قناعة لازمة  أنهت معظم الحروب الاهلية والانقسامات في العالم , بل يتم الذهاب إلى المحادثات  في كل جولة للهروب من التحديات الطارئة التي تشغل بال المنقسمين , فجولات القاهرة في عام 2009 مثلاً كانت بسبب انتهاء ولاية الرئيس والرغبة في عدم اعلان شغور الرئاسة في القطاع, وجولات عام 2011 بنيت على تغيرات الواقع العربي والخوف من ردة فعل شبابية متأثرة  قد تسعى لإسقاط النظام أسوة بالأقران وهو الخطاب الأثير التي لم تستطع أي دولة استبدادية مهما كانت اجراءاتها منع تأثيره على واقعها، وتم استبدال بشعار انهاء الانقسام كهدف . وأما  محادثات عام 2014 وما عرف باتفاق الشاطئ والذي انبثق عنه  وتشكيل ما عرف بحكومة التوافق الوطني  فقد كان رغبة من التخلص من شبح التدخل المصري في القطاع بعد نجاح الانقلاب العسكري في القاهرة ،  من طرف السلطة ايضاً في استغلال ذلك بأكبر المكاسب . وكذلك كل الجولات وصولاً للأخيرة التي جاءت بعد الانحياز السافر من ترامب والخيانة العربية لمشروع السلطة، وكانت الفكرة ان الذهاب اليها يحمي قيادة السلطة عن المساءلة عن الفشل في مشروعها السياسي، ويحصنها داخليا في حال صدقت التوقعات بمحاولة استبدال القيادة الحالية كما حدث مع الرئيس ياسر عرفات.




وفي المحصلة لم نصل إلى ما يحتاجه الانقسام من قناعة ورغبة في انهائه، وبدل ذلك تم الركون إليه لما يعطي من فرصة غير مسبوقة في التفرد المطلق في النظام والحياة السياسية، ونناقش في المقال القادم الطريق نحو مصالحة طويلة الأمد.