لنقرَأَ واقع العرب ومستقبلهم من واقع الهلال الخصيب ومستقبله!

فتحي الورفلي
11-03-2020
الهلال الخصيب حالة يندى لها جبين الأمة، بل والإنسانية جمعاء؟!




كتب: فتحي الورفلي رئيس حزب تونس بيتنا والمحلل السياسي

لبنان ليس دولة، والعراق دولة فاشلة، والأردن جعله النظام شبكة صرف صحي سياسي، وجسر للعبور الاقتصادي، وسوريا مجرد ركام من الخراب، وكل المشاريع الإمبراطورية العالمية والإقليمية، تتناحر على أرضه، وتستخدم أبناءه وقودا في حروبها، وتجتمع وتتفاوص وتقرر مستقبله ومصيره، دون أي اعتبار لأهله وأصحابه، ولا حتى لأنظمته وحكامه وسياسييه..

فلبنان هو البلد الوحيد الذي يمثل دَيْنُه ما نسبته ١٧٠٪ من إجمالي ناتجه القومي، وهي أعلى نسبة في العالم، لذلك فهو بلد يسير نحو الانهيار الكامل في القريب العاجل، وسوف يجد نفسه عاجزا عن دفع مرتبات موظفيه فجأة، ولقد أهلت بوادر ذلك بالتوقف عن سداد الديون الخارجية، دون خطة لاستثمار الوفر المتحقق من هذا التوقف، ما لم يتغير النظام السياسي المهيمن، والذي لا يملك غير خيارات تدوير الأزمات إلى أن يسقط الجميع في الهاوية..

والعراق هو البلد النفطي الوحيد الذي ازدادت نسبة اعتماده على النفط منذ عام ٢٠٠٣ لتصل إلى ١٠٠٪ بعد أن كانت تمثل فقط نسبة ٧٠٪ قبل الاحتلال، وذلك خلافا لكل الدول النفطية التي تمكنت خلال الفترة نفسها من تخفيض اعتمادها على النفط بتنويع مصادر دخلها، لذلك فالعراق لمن لا يعلم، بلد يسير اقتصاديا نحو الانهيار التام هو أيضا، إذا استمرت فيه العملية السياسية التي جاء بها الاحتلال الأميركي، ولقد أطلت بوادر ذلك، بإظهار معالم الكارثة المقبلة، بالإعلان عن امتلاك الحكومة من السيولة ما تؤَمِّن به مرتبات موظفيها لمدة شهر واحد فقط..

والأردن، بلد لا يخضع لنظام سياسي واضح المعالم، حتى لو كان نظاما سيئا، وهو مجرد سيرورة من الوقاحة السياسية، ومن النذالة السياسية، ومن الكذب السياسي، التي لا دور ولا مهمة لها، غير تأمين مصارف صحية للفضلات السياسية الإسرائيلية والأميركية، وغير بناء جسورٍ آمنة للعبور الصهيوني إلى العمق العربي، فيما الجياع والفقراء والمعدمون والمستَلَبون والعاطلون الأردنيون، من جياع ومن فقراء ومن معدمبن ومن مستَلَببن ومن عاطلين سيولدون. أما النخب الأردنية سواء ما كان منها في صف منظومة الصرف الصحي تلك، أو مختلفا معها أو متحركا ضدها، فهي التي تقوم نيابة عن نظام الوقاحة السياسية ذاك بإعادة تأهيل تلك الشبكة، من حيث تظن أنها تفعل عكس ذلك متوهمة أنها تحسن صُنعا..

أما سوريا، قلب العروبة النابض، فحدث عنها ولا حرج، إنها كومة من الخراب التي تحتاج إلى تريليون دولار، وليس إلى ٢٠٠ مليار دولار كما يتوهم الكثيرون، وإلى ربع قرن من الزمن، وليس إلى عقد من الزمان حسبنا يروج الجاهلون، حتى يتسنى لها أن تعود دولة، هذا ونحن لا نتحدث هنا عن تحريرها من المخلفات النفسية والصحية والسياسية والثقافية والديموغرافية، لعقد من التدمير الممنهج على كل الصعد..

هذا هو حال الهلال الخصيب الذي كان مركز ثقل العالم يوما ما، والذي كان دوما قاطرة النهضة والتحرر على مدى تاريخ العرب..

فكيف يمكن لأمة هذا حال رأسها ومركز ثقلها وقاطرتها، أن تتحدث عن مستقبلها، في ظل وجود أنظمة سياسية وقفت وتقف وما تزال تقف، وراء ما جرى ويجري في هذا الهلال المنكوب؟!

لا حل إلا برحيل هذه الأنظمة الأربعة، ولأن سوريا أصبحت خارج اللعبة التي يمكن لأي سوري أن يؤثر فيها، فلا أمل إلا في العناصر التالية:

أولا.. ثورة الشعب العراقي..

ثانيا.. حراك الشعب اللبناني..

ثالثا.. صمود الأهل في الأرض المحتلة..

رابعا.. استيقاظ الحراك الشعبي الإردني من أوهامه الراهنة التي هيأت له أنه يسير على الطريق الصحيح، ووضعه لخطة تحرك وعمل جديدة تقوم على الدمج العضوي والجوهري لمبدأي التغيير والتحرير ليسير بهما في ذات الوقت، وإلا فإنه سيكون أحد أسباب إفقاد ثورة العراقيين وحراك اللبنانيين لمضمونهما، لأن ثورة أولئك وحراك هؤلاد يفتقران إلى الرافعة الاستراتيجية، وهي "مقاومة إسرائيل من قبل الشعب الأردني في قلب تحرك هذا الأخير لأجل تغيير نظامه أو النهج السياسي لنظامه على الأقل"..

لدلك فإنني أُحَمِّل الحراك الأردني والحراكيين الأردنيين، قسطا من المسؤولية عن إضاعة جهود العراقيين واللبنانيين سدى وبلا نتيجة مضمونة ومرئية في المدى المنظور..