ما كلّ ما يتمناه الاحتلال يدركه!

وليد الهودلي
22-04-2020



الأديب: وليد الهودلي

أحسن مثال على اللصوص المختلفين على كلّ شيء إلا أنهم يتفقون على السرقة ولا يفكرون أبدا في صاحب المال المسروق، هو الأحزاب الصهيونية.

فبعد جولات تفاوضية صعبة ومعقدة للغاية، بين نتنياهو زعيم الليكود وزعيم تكتل ازرق ابيض الصهيونيين، اختلفا فيها على كل شيء إلا أنهما اتفقا على مواصلة العدوان والاحتلال وضمّ الضفة، وهذا ليس غريبا ولا مفاجئا على طبيعة هذا الكيان الذي نشأ وترعرع على مثل هذا، هم لا يفكّرون بصاحب الحق ولا صاحب الأرض، فقط تفكيرهم أنهم هم اليد الطولى وهم الأقوى وبالتالي يحقّ لهم كلّ شيء ولا يحق لغيرهم أيّ شيء.

هذا التفكير العنجهي المتطاول يُدخل هذه الصهيونية العفنة المتغطرسة إلى نادي من سبقوه في مثل هذا: مثلا: الفاشية والنازية والامبريالية والانجليزية والفرنسية والصليبية والمغولية وكلّ من مارس الاستعمار والعدوان، أفلا ينظرون في مآلات هؤلاء وأين ذهب بهم التاريخ، لم يبق الاستعمار استعمارا ولا الاحتلال احتلالا ، كلّ طواه التاريخ ومضى.

ثم ألم يتأكدوا بعد أن: "ما كلّ ما يتمناه المحتلّ يدركه"، لن ينفعه غروره ولا كبرياؤه وصلفه وتنكّره الأسود لحقوق من يحتلّهم، لماذا ذاكرتهم قصيرة إلى هذا الحدّ السخيف؟

  • ماذا جرى لتمنيّاتهم في لبنان؟ هل أدرك أهدافه؟ كم دفع من قتلى وجرحى وخسائر مادّية مهولة؟ ماذا كانت النتيجة؟ أن يفلّ في غسق الليل في هزيمة نكراء، لقد ذهبت أمنياته هناك أدراج الرياح، نكص على عقبيه وجرت الرياح بما لم تشتهيه سفن عدوانهم وغطرستهم وغرور قادتهم المشئومين، أذكر فيما أذكر أن المجحوم شمعون بيرس ارتكب مجزرة قانا التي استهدف فيها أطفال يحتمون في مدارس للأمم المتحدة وكان هدفه واضحا أن يظهر بصورة صقر أمام جمهوره المتعطّش للدماء، التقط هذه الصورة المجرمة ومع هذا لم يرو ظمأ جمهوره فخسر المعركة وخسر الانتخابات.





  • ماذا جرى لتمنياتهم في قطاع غزّة؟ كم تمنّى قادتهم أن ينشقّ البحر ويبتلع غزّة كي يخلصوا من هذا الهمّ، أصبح احتلالهم للقطاع باهظ الثمن بعد أن طاردتهم المقاومة وأصبحوا هدفا لأسودها، وتوجّت ذلك مجموعات عماد عقل والتي طوّرت انتفاضة الحجارة الى الضربات الموجعة، أصبحت كلفة الطفل في روضة مستوطنات غزّة خمسة الاف دولار يوميا حراسات أمنية وحافلات مصفّحة، عدا عن الخسائر البشرية اليومية فكان قرار الهزيمة من القطاع، ثم في كل الحروب التي شنّوها على غزة بعد ذلك لم يتمكنوا من تحقيق أيّ هدف من أهدافهم، إذا "ما كل ما يتمناه الاحتلال يدركه".





  • في القدس وصراعهم المستمرّ هناك على بوابات الأقصى، لم يكن الفلسطيني لقمة سائغة وإنما أفشل كثير من مكرهم بالاقصى والقدس وما زال صراع الارادات قائم بكلّ قوّة وعنفوان ولسان حاله يقول لن يهنأ الاحتلال أبدا في احتلاله للقدس وممارسة غطرسته عليها أبدا. " وما كلّ ما يتمناه يدركه".





  • وفي الضفّة التي أخرجت مقاومتها بأشكال متعدّدة وفي عدة مراحل وأذاقت المحتلّ الامّرين سواء كان ذلك في الانتفاضات المتكرّرة أو عبر المقاومة الصلبة، والتي كان ما جرى على كيلو متر مربع واحد ما أشبه المعجزة حيث مخيم جنين على سبيل المثال لا الحصر أذاقهم بأس الفلسطيني حينما يغضب ويثور لوطنه. الوضع غير الطبيعي في الضفّة هو هذا الثلاثي الذي كسر القاعدة التاريخية في العلاقة بين الاستعمار والمستعمر بفتح الميم: وجود استعمار وشعب مستعمر وسلطة تحاول أن تلبس لبوس السيادة الوطنية فيحرجها هذا الاستعمار ويصرّ أن ينزع عنها لباسها. عاجلا أم عاجلا تدفع غطرسة هذا المحتلّ لإعادة الوضع الى طبيعته: المواجهة المكشوفة بين المحتل والشعب الذي احتلّت أرضه دونما سلطة ثالثة. ويكون بذلك قد ضيّع فرصته التاريخية التي أتاحتها له اتفاقية أوسلوا وقدمتها له على طبق من ذهب: أن يرضى الشعب المحتلّ بان يقيم دولته على ما يقارب ثلث أرضه ويقيم الاحتلال على الثلثين، إنها غطرسة الظالم الذي لا يشبع من الظلم وممارسة الاستيطان والعدوان.





واضح في المسار الفلسطيني كلّه على مرّ تاريخ هذا الاحتلال، أن الفلسطيني ليس سهل المراس ولا يمكن أن يتحوّل إلى مزرعة أرانب أو الى قطيع يساق الى حيث يريد المحتلّ، أو أن تكون أرضه هكذا مشاعا سهلة الضم لهذه القيادة المتطرفة أقصى درجات التطرّف وأن لهم أن يقتسموا هذه الأرض بما يحلو لتمنيّاتهم السوداء، هذا الفلسطيني مفاجئ مذهل قادر على اخراج ما لا يتوقّعون، وقادر على حرق هذه التمنيّات المتطرفة بما لا يحتسبون.

رسالتنا لهم الان أن ينظروا أبعد من أنوفهم، ولو قليلا وأن يتوقّعوا ما لا يتمنون، فما كلّ ما يتمناه الاحتلال يدركه.

وعلى الفلسطينيين أيضا أن يرصّوا صفوفهم جيّدا وأن يستعدّوا للجولة القادمة والتي أصبحت أقرب ممّا نتصوّر، علينا أن نغادر مكانة الاسترخاء التي أتى بها أوسلو المشؤوم وأن نشدّ الاحزمة للمعركة القادمة التي هي بلا شكّ ستكون أشرس من معركتنا مع فيروس كورونا.