ماذا بعد أن نُشيّع أوسلو إلى مثواه الأخير؟!

وليد الهودلي
31-05-2020
كتب وليد الهودلي\ مركز القدس

لقد أضاع الاحتلال فرصة ذهبية من شانها أن تطيل عمر كيانهم، جاءهم اتفاق يمنحهم ثمانية وسبعين بالمائة من أرض فلسطين التاريخية على طبق من ذهب، بينما يعطي أصحاب فلسطين الحقيقيين اثنان وعشرين بالمائة من فلسطين، وهذا على أفضل التقديرات والتوقعات التي جعلت سقف الفلسطيني المفاوض: الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام سبعة وستين، هذا ان لم يجر تعديلات في المفاوضات النهائية تنقص من حصة الفلسطينيين مع ضمانات واشتراطات تضمن امنهم وتفوّقهم وتمنحهم الحق بما ليس لهم حق فيه والشرعية بما لا شرعية لهم فيه، ما الذي جرى وأعمى قادتهم الى هذه الدرجة بان فوّتوا هذه الفرصة الذهبية؟!

يقولون أنّ الطمع يعمي الابصار والقلوب فماذا لو أضفنا له غطرسة القوة وعنجهية الباطل وصلف المحتلّ؟ ثم إن براغماتية المفاوض الفلسطيني الفائضة عن الحاجة والضرورة وقبوله بالتخلّي عن نقاط قوّته على أمل أن يحسّن هذا من صورته عالميا بما يبعده عن شبهة الإرهاب وأن يعزّز بذلك من قوّته التفاوضية وكسب الضغط الدولي على سلطات الاحتلال، كلّ هذا تبخّر أمام ذاكرة الاحتلال القصيرة التي لا يوقظها سوى الخسارة اليومية وكلفة احتلالها الباهظة، نحن وفّرنا للاحتلال بيئة سهلة ومريحة ورفعنا عنه ضغط المقاومة وبقائه في حالة استنزاف مستمرة تجبره على التفكير بحقوق الاخرين، فمثلا لم تترك المقاومة الفيتنامية مقاومتها للمحتل الأمريكي فترة المفاوضات بل بقيت على صفيح ساخن يشكل الضغط المطلوب على صانع القرار لسلطات الاحتلال الامريكية. على مرّ التاريخ لم يسترجع مُستعمر بفتح الميم حقه الى بعد أن يكسر شوكة مستعمره ويمرّغ أنفه في التراب ويجعل من كلفة استعماره باهظة بشريا وماديّا.

نحن (بحق ولاستخلاص العبر بعيدا عن أية مزاودة) تخلينا عن نقاط قوّتنا وراهنا على خيار وحيد هو خيار التفاوض (وبموضوعية مجرّدة) قلنا لا مانع من بعض المقاومة الشعبية السلمية ثمّ ساهمنا بقوة في تقويض تلك المقاومة التي تجعل من الاحتلال مكلفا وتدفعه للتفكير بحق من يفاوضه، وهذا بدل أن يحظى بالتقدير كما توقّع البعض بحسن نيّة في غير موضعها صنع العكس تماما، زاد من طمعهم فينا وزاد من استقوائهم علينا وتوغّلهم في حقوقنا: استيطانا وعدوانا واستهانة بنا وبمقدّساتنا وبكل مكوّنات كرامتنا، شعروا شعور ذئب مفترس أمامه أرنب يستجدي حقوقه بالحسنى وطيب النوايا.

يجب ان ينتابنا شعور كم كنا مخطئين ونحن نطارد المقاومين ونقول أن هذا مصلحة وطنية وأن علينا أن نعطي فرصة للتفاوض السلمي، صحيح أتفهم أن على صوت السلاح أن يخبو قليلا وقت استحقاقات تفاوضية في أوقات حرجة ولكن أن يتم استئصاله وملاحقته استراتيجيا على مدار عقدين من الزمن على أمل ابليس في جنة التفاوض فهذا غير معقول أبدا. كم كنا مخطئين ونحن نطمئن الإسرائيلي بأن هذا خيارنا الوحيد، كم كنا مخطئين وبعضنا يروّج لثقافة بديلة عن ثقافة المقاومة وذات الشوكة ونعتبر هذا مصلحة وطنية.

كنا نتساءل ماذا لو لم نصل الى حقوقنا عبر هذا التفاوض؟ أو على ربع حقوقنا حسب اتفاق أوسلو؟ ماذا عسانا نفعل؟

وكنّا نناقش سياسيا ان طبيعة هذا الاحتلال ومن يعرف تركيبته العنصرية الاحلالية لا يمكن أن يخرج من جلده ويصبح احتلالا محترما يعيد الحقوق لأصحابها أبدا، وحتى دينيا رغم أن اليهود اليوم بفكرتهم الصهيونية يختلفون عن سابقيهم بالأمس ومع هذا قال القران فيهم:" أم لهم نصيب من الملك فاذا لا يأتون الناس نقيرا". نناقش سياسيا بتركيبتهم التي تزداد تطرفا يوما بعد يوم، وتاريخيا قياسا بكل اشكال الاستعمار والانتدابات والاحتلالات التي لم ينفع معها الا القوة ودينيا بما قص علينا القران من قصصهم رغم انهم اليوم هم النسخة الأسوأ من هذه الطبيعة البشرية النكدة، كل ذلك يقودنا الى أن مسارات التفاوض ما قبل قصة البقرة التي حملت اسم أطول سورة في القران لن تختلف أبدا بعد أن قست قلوبهم وصارت أشد قسوة من الحجارة بعد قصة البقرة بثلاثة الاف عام.

لقد وصلنا الان الى هذه المآلات الماساوية فما هي السيناريوهات البديلة اليوم وبعد ان وصلت تجربتنا المريرة الى ما وصلت اليه؟

  • لا بدّ أن نغسل أيدينا ثلاثا من خيار التفاوض وكل ما ترتّب عليه، وأن نُخلّل ما بين الأصابع كما نفعل مع فيروس الكورونا. تطهيرا وبراءة لا عودة عنه أبدا.

  • شحذ الهمم والعمل على الاستعداد النفسي والثقافي للإنسان الفلسطيني النقيض المشتبك مع المحتل بكل الابعاد المطلوبة.

  • جمع الصف على قاعدة "المقاومة توحّدنا" وهي بالفعل كذلك لأن الانقسام في الأصل كان على برنامجين مقاوم ومفاوض، فاذا وضعنا هذه القاعدة للبرنامجين فانهما يصبحان برنامجا واحدا وبالتالي يصبح الانقسام من تداعيات مرحلة مضت.

  • اهتبال الفرصة التاريخية المواتية للعودة الى أصول القضية إذ أن تحديات الضمّ وغطرسة المحتل بهذا الشكل غير المسبوق ما هو الا فرصة تاريخية لنا بعد أن ضيّع هو فرصته التاريخية التي لن تتكرّر أبدا لان التاريخ لا يعيد نفسه.


ولان القادم مهما كان لن يكون أسوا من المرحلة السابقة التي وقفنا فيها طويلا أيتاما أمام طاولة اللئام دون أن نأخذ الفتات، لقد آن الآوان أن نعود كما كنّا أسودا يخشاها اللئام ولا نامت أعين الجبناء.