"محطات من سيرتي وجولاتي"

عوني فارس
25-07-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

عرض كتاب

"محطات من سيرتي وجولاتي"

عوني فارس

 

عنوان الكتاب: محطات من سيرتي وجولاتي.

المؤلف: عكرمة سعيد صبري.

الناشر: دار العلوم العربية للطباعة والنشر، بيروت.  

تاريخ النشر: 2020.

عدد الصفحات: 366.

 

يوثق هذا الكتاب محطات من سيرة الشيخ عكرمة سعيد عبد الله صبري إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك، ويعطي تفاصيل حول كدحه العلمي، وآرائه في الدين والسياسية والفكر، وسيرته في العمل المؤسساتي والخيري والاجتماعي، ويركز على دوره في الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس. يتكون الكتاب من ستة أقسام، يسرد فيها محطاتٍ من نشأته وطفولته، وسيرته، وجولاته العالمية ومشاركاته في المجامع الفقهية والهيئات الدولية، ومقتطفات من خطبه ومقالاته، وسبع شهادات عنه كتبها معاصروه، وخمسة وثمانين صورة فوتوغرافية تتعلق بانخراطه في شؤون المسجد الأقصى، واهتمامه في القضايا التربوية، ومساهماته في الفعاليات المحلية، ولقاءاته مع مسؤولين رسميين، ومشاركته في مؤتمرات ودعوات خارجية، وستة وعشرين صورة لشهادات ودروع تقديرية حصل عليها.

 

قصة الكتاب

ألحَّ بعض الأصدقاء والمريدين على الشيخ في كتابة مذكِّراته بعد حياة طويلة مليئة بالأحداث والمواقف، فاستجاب لهم وبدأ بإعداد الكتاب عام 2015، وأتمَّه بعد عامين، وشاءت الأقدار أن يتأخر صدوره، فأضاف إليه ثلاثة ملاحق تتعلق بهبة الأقصى عام 2017، وهبة باب الرحمة عام 2019، وكَسْر قرار الاحتلال بإبعاده عن المسجد الأقصى عام 2020، وقد أَسِف الشيخ، كما قال لي في محادثة حول الكتاب، لنسيانه بعض التفاصيل، ولضياع بعض الأوراق والوثائق والنصوص بفعل اضطراره لنقل سكنه من نابلس إلى القدس ثم الرام ثم القدس.

 

من هو الشيخ عكرمة صبري؟

ولد الشيخ عكرمة صبري في مدينة قلقيلية وسط فلسطين في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1938، في بيتٍ معروفٍ باشتغاله في العلم الشرعي، وبكثرة أزهرييه المُعمَّمين، وقد سمَّاه والده عكرمة تيمنًا بالصحابي الجليل عكرمة بن أبي جهل. قضى الشيخ صباه وشبابه المبكر في مدينة نابلس، فدرس المرحلة الأساسية في المدرسة الغزالية، والثانوية في المدرسة الصلاحية الثانوية، وحصل من الأخيرة على شهادة الثانوية العامة عام 1957، وأنهى البكالوريوس في الشريعة الإسلامية واللغة العربية من جامعة بغداد عام 1963، والماجستير في الفقه والتشريع من قسم الدراسات الإسلامية في جامعة النجاح في نابلس عام 1989، والدكتوراه في الفقه العام من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر في مصر عام 2001.

شغل عددًا من الوظائف، فكان مدرِّسًا في مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية بين عامي (1963-1968)، ومديرًا لها بين عامي (1968-1974)، ثم انتقل للعمل مديرًا للوعظ والإرشاد في الضفة الغربية بين عامي (1974-1994)، وعمل أيضًا محاضرًا غير متفرغٍ في عدد من الكليات منها: كلية العلوم الإسلامية/ القدس، وكلية الحقوق الفلسطينية/ القدس، وكلية القرآن والدراسات الإسلامية/ القدس، والكلية الإبراهيمية/ القدس، والكلية العصرية/ رام الله.

نَشِطَ على الصُعُد الدعوية والتعليمية والمؤسساتية والاجتماعية والخيرية، فترأس نادي هلال القدس عام 1980، وجمعية الرازي للثقافة والمجتمع، ولجنة ترميم مساجد القدس، وكان عضوًا مؤسسًا لعددٍ من المؤسسات والهيئات والمجالس منها: مبرة بيت الرحمة الإسلامي للمسنين عام 1980، وهيئة العلماء والدعاة في فلسطين عام 1992، ورابطة علماء الشام، ومجلس الفتوى الأعلى في فلسطين، ومؤسسة رياض ومدارس الأقصى الإسلامية، ومجمع فقهاء الشريعة في أمريكا عام 2001، وجمعية الشبان المسلمين في القدس، ورابطة مؤتمر المساجد الإسلامي العالمي في مكة، والمجمع الفقهي الإسلامي الدولي بجدة، والرابطة العالمية لخريجي جامعة الأزهر، وهو رئيس للهيئة الإسلامية العليا في القدس منذ عام 1998.

 

سيرته في الدفاع عن الأقصى والقدس

ارتبطت سيرة الشيخ عكرمة صبري بالدفاع عن المسجد الأقصى والقدس، ولم تقتصر مساهماته في تعزيز صمود المقادسة على الخطابة في المسجد الأقصى منذ عام 1973،  وممارسة الوعظ والإرشاد، وإنما ركَّز على تطوير التعليم في المدينة، عبر تأسيس جمعية الأقصى العلمية الإسلامية عام 1976، والعمل على النهوض بالعمل المؤسساتي داخلها عبر تأسيس عدد من اللجان والجمعيات، مثل لجنة مساجد القدس عام 1975، ولجنة زكاة القدس عام 1975، ولجنة تجهيز الموتى عام 1977، ودار الحديث الشريف عام 1980، ولجنة بيت الزواج الإسلامي عام 1990، وشارك في عدد كبير من المؤتمرات الرسمية وغير الرسمية بهدف استنهاض الفلسطينيين والعرب والمسلمين للدفاع عن الأقصى والمقدسات، ولم يغفل الشيخ عن أهمية الإعلام، فاعتاد الظهور على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة للحديث حول التطورات في الأقصى والقدس، وكان له حضوره الميداني،  فشارك في صد الاعتداءات على المسجد الأقصى منذ حادثة إحراقه عام 1969 مرورًا بمجزرة الأقصى عام 1990 وحتى هبة البوابات الإلكترونية عام 2017، وقد عانى نتيجة لذلك من الاحتلال، فقد استُدعي أول مرة للتحقيق عام 1973، ثم استدعي مرة أخرى عام 1980، ومرتين عام 2001، ومرة خامسة عام 2002، ثمَّ كرِّر الاحتلال اقتحام منزله وتفتيشه، واستدعاءه، وأصدر بحقه عدة قرارات إبعاد عن المسجد الأقصى، وقرارات منع السفر، وأصيب برصاصة مطاطية أثناء هبة البوابات الإلكترونية عام 2017.

 

عكرمة صبري باحثًا وكاتبًا

اهتم الكتاب بإظهار مساهمات الشيخ في الكتابة والتأليف، وهي كثيرة، وقد ذكر أسماء خمسة وعشرين كتابًا وتسعة وخمسين بحثًا منشورًا تناول فيها مسائل في الفقه والعقيدة والتفسير والحديث والفكر والتربية والقدس وفلسطين، ومن كتبه: مذاكرات في الحديث الشريف (ثلاثة أجزاء) (1966)، والوجيز في علم أصول الفقه (1970)، ولمحة عن العقيدة والقرآن (1976)، وحقنا في فلسطين (1978)، والإسلام والتحديث (1983)، ومنزلة القدس في الإسلام (1995)، والتنوير في العقيدة والتفسير (2000)، وفتاوى مقدسية (2011)، والإسلام والأيام العالمية (2015)، ومن أبحاثه: منزلة القدس في الإسلام (1982)، والإسلام وتنظيم الأسرة (1996)، وأضواء على تاريخ الإفتاء في فلسطين (2000)، والإجهاض في حالة خاصة (2005)، والحوار مع الآخر (2005)، وديمومة الإسلام وعظمته وإنسانيته (2007)، وواقع استثمار الأوقاف في فلسطين (2008)، والوقف الإسلامي وأثره في صمود المقدسيين (2011)، والمجامع الفقهية الواقع والمأمول (2011)، والقدس والانتهاكات الإسرائيلية (2012)، والمرأة والدعوة (2014).

لم يقتصر جهد الشيخ البحثي على تأليف الكتب وإعداد الأبحاث والدراسات، فقد شرع في كتابة المقالات منذ عام 1962، وذكر في كتابه أنَّه نَشرَ أكثر من ألفين وخمسمائة مقالة في صحف ومجلات داخل فلسطين وخارجها في مجالات العقيدة والقرآن والفقه والسيرة وفلسطين والشخصيات، كما أنَّه كان مشرفًا على الملحق الثقافي في صحيفة القدس الفلسطينية، وأسس مجلة الإسراء وكان مشرفها العام بين عامي (1995-2006)، ومجلة هدى الإسلام المقدسية التي رئس تحريرها بين عامي (1982-1994)، وشارك في مؤتمرات وندوات علمية في فلسطين وخارجها.

 

 عكرمة صبري مفتيًا

يسرد الشيخ في الكتاب قصة توليه منصب مفتي القدس والديار الفلسطينية عام 1994، وقد ذكر لي في لقاء جمعني به في بيته في الرام قبل سنوات أنَّه أثناء إعداده لهيكلية جهاز الإفتاء حرص على تعيين أزهريين معمَّمين في مناصب الإفتاء في المحافظات، يثق بعلمهم وبنزاهتهم، ولإعطاء الإفتاء هيبته، فعلى سبيل المثال عيَّن الشيخ توفيق جرار مفتيًا لجنين، والشيخ مشهور الضامن مفتيًا لنابلس، والشيخ فتح الله السلوادي مفتيًا لرام الله والبيرة، والشيخ عبد الكريم الكحلوت مفتيًا لغزة، ومما ذكره في كتابه أنَّه أعدَّ ميزانية لدور الإفتاء، وشكَّل مجلس الفتوى الأعلى من ثلاثين عضوًا، يجتمع مرة كل شهر لإصدار الفتاوى، وقد وضع منهجًا في استصدار الفتاوى، فاشترط على المستفتي أن يكون سؤاله مكتوبًا، وأن يُمهرَ بتوقيعه، وأن يرفقه بصورة عن جواز سفره أو  هويته، وأن تكون الإجابة بعد السؤال مباشرة، وأن يضع المفتي توقيعه في نهاية الجواب والخاتم الرسمي، مع الإشارة إلى تاريخ إصدار الفتوى بالهجري والميلادي. أصدر الشيخ أثناء عمله مفتيا عامًّا مجلة شهرية باسم الإسراء، وشرع بإصدار كتب ونشرات فقهية وتوعوية، وقامت دار الفتوى بالمساهمة في ترميم عددٍ من المساجد في الداخل المحتل مثل مساجد البحر وحسن بيك وسكسك في مدينة يافا، وفي عهده أصبح من مهام دار الفتوى الإعلان عن بدء شهر رمضان وعيد الفطر وتحديد صدقة الفطر ونصاب الزكاة وموعد المناسبات الدينية الأخرى.

اتخذ الشيخ مقرًّا للمفتي العام في غرفة في دائرة الأوقاف الإسلامي في باب المجلس في القدس، ثم اتخذ مقرًّا آخر أوسع بالقرب من باب الغوانمة في رحاب المسجد الأقصى، وقد أصدر خلال توليه هذا المنصب ما يزيد عن ثلاثة آلاف فتوى خطية في عدة موضوعات، ويظهر جليًّا الدور الوطني الذي لعبته دار الإفتاء حين أصدرت عددًا من الفتاوى التي تصبّ في مواجهة سياسات الاحتلال، ومن النماذج على ذلك الفتاوى التالية: بيع الأراضي أو العقارات للأعداء أو السمسرة لهم مرفوض وحرام شرعًا وخروج عن الملة، وتحريم التجنس بالجنسية الإسرائيلية، والتعويض عن الأرض كبيعها ولا يجوز شرعًا والعودة حق مقدس، والعمائر المحيطة بالأقصى تأخذ حكم الأقصى، وحائط البراق وقف إسلامي، وتحريم المشاركة في بناء الجدار الفاصل، والوطن البديل وتبادل الأراضي مرفوضان ومحرمان شرعًا، والتدويل والتهويد مرفوضان ومحرمان شرعًا، وأخذ التعويض عن البيوت المهددة بالإخلاء حرام شرعًا.

بقي الشيخ في منصبه حت عام 2006، وما يلفت النظر هنا الطريقة التي صدر فيها قرار إحالته على التقاعد، فقد تفاجأ بأرسال كتاب رسمي بذلك إلى مكتبه عبر الفاكس، ودون إشعار مسبق، وأثناء حضوره مؤتمرًا في عَمّان، وقد أشار في مذكراته إلى أن أحد أسباب إحالته على التقاعد انتقاده للسياسات المالية للبنوك الفلسطينية التي تقوم، وفق الشيخ، على استثمار الأموال في الخارج بدل من استخدامها في إنعاش الاقتصاد الفلسطيني.   

خاتمة

هذا الكتاب مهم، خصوصًا وأنَّه يتحدث عن شخصية مقدسية اعتبارية مشتغلة بالعلم الشرعي ومنخرطة بالشأن العام، دافعت عن المسجد الأقصى والقدس، وأعلت صوتها ضد الاحتلال وتيار التسوية وضد فساد مؤسسات السلطة الفلسطينية، ودعت إلى استمرار مقاومة المحتل حتى رحيله، ولعل هذه السيرة تُشجِّع غيره من أهل العلم الشرعي المنخرطين في العمل الوطني على كتابة مذكراتهم.   

 لقد سَعدت بقراءة الكتاب، وأنصح الجميع باقتنائه وقراءته، وتمنَّيتُ لو أنَّه أعطى هامشًا أكبر لتاريخ علاقته مع الحركة الوطنية وفصائلها، ونشاطه مع الشخصيات الفلسطينية المحورية في الدفاع عن القدس والأقصى مثل الشيخ رائد صلاح، وسياسات الاحتلال الظالمة تجاه المؤسسات التي تعنى بالأقصى والقدس.