مرسوم تشكيل محكمة قضايا الانتخابات .. إشادات ومخاوف

فضل عرابي
15-03-2021

كتب:فضل عرابي


صحفي وباحث فلسطيني


تحميل وقراءة التقرير بصيغة pdf


تقارير تقارير


ملخص


أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في 1 آذار/ مارس 2021، مرسومًا رئاسيًا يقضي بتشكيل محكمة قضايا الانتخابات برئاسة قاضي المحكمة العليا/ محكمة النقض، إيمان ناصر الدين، في ظل الاستعدادات لإجراء الانتخابات العامة خلال شهر أيار/ مايو المقبل.


ويأتي تشكيل المحكمة بناءً على اتفاق الفصائل في القاهرة مطلع شباط/ فبراير الماضي، والذي نص على تشكيل محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق، من قضاة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.


وأكد الاتفاق تولي هذه المحكمة حصرًا دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها والقضايا الناشئة عنها.


تعرض هذه الورقة المرسوم الرئاسي، ومواقف الفصائل الفلسطينية منه، وآراء مجموعة من القانونيين والكتاب الفلسطينيين، وتختم بقراءة قانونية لاختصاص المحكمة، وإمكان تدخل القضاء الإداري والمحكمة الدستورية في الانتخابات.


المرسوم


نص المرسوم على "تشكيل محكمة قضايا الانتخابات، برئاسة قاضي المحكمة العليا/ محكمة النقض إيمان ناصر الدين، وعضوية ثمانية قضاة آخرين من المحافظات الجنوبية والمحافظات الشمالية".


وأكد الرسوم على أن "تشكيل محكمة قضايا الانتخابات جاء بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى وفقًا لأحكام القانون". 


من جهتها أكدت لجنة الانتخابات المركزية في بيان لها، أنها تسلمت مرسومًا أصدره الرئيس محمود عباس بشأن تشكيل محكمة قضايا الانتخابات، برئاسة القاضي إيمان كاظم ناصر الدين.


وأوضحت اللجنة أنه بموجب القرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة وتعديلاته، تشكلت محكمة قضايا الانتخابات من رئيس وثمانية قضاة، وتختص هذه المحكمة بالنظر في الطعون المقدمة على العملية الانتخابية والبت فيها. 


وتضم المحكمة في عضويتها كلاً من القضاة: فايز حسين عثمان حماد، ومحمود نمر عبد العزيز أبو حصيرة، وباسم عبد الرازق أحمد خصيب، وفطين عبد العزيز محمد سيف،  ومحمد سليمان محمد الدحدوح، وممدوح عليان حسن جبر،  ومؤنس غسان كامل أبو زينة، ونادر عبد الجواد "محمد يوسف" أبو عيشة.


مواقف الفصائل الفلسطينية


في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"، أكد نائب مفوض العلاقات الدولية لحركة فتح، الدكتور عبد الله عبد الله على أن المحكمة تشكلت من قضاة مستقلين ومحايدين يشهد لهم بالكفاءة والحياد، وجرى ترشيحهم من مجلس القضاء الأعلى، فقدت رُفعت قائمة بأسماء القضاة للرئيس محمود عباس والذي أصدر بدوره مرسوم تشكيل المحكمة.


وعن التخوف لدى البعض من أن تتدخل المحكمة الدستورية أو محاكم القضاء الإداري في العملية الانتخابية، شدد الدكتور عبد الله عبد الله على أن محكمة قضايا الانتخابات هي الجهة الوحيدة المنوط بها النظر في أي قضية ترفع لها من أي طرف كان بشأن الانتخابات. 


كما رحبت حركة حماس بتشكيل المحكمة وعدّتها خطوة إيجابية، فقد قال الناطق باسمها فوزي برهوم في بيان له، إن الخطوة "إيجابية على طريق تنفيذ بنود اتفاق شباط/ فبراير الذي تم في القاهرة". 


أما عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية الدكتور كايد الغول فقد أكد، في تصريح خاص بـ "مركز القدس للدراسات"، على أن الجبهة الشعبية كانت أحد الأطراف التي طالبت بتشكيل محكمة انتخابات مستقلة من كفاءات مشهود لها، وأن تكون وحدها الجهة التي تنظر في قضايا الانتخابات دون أي جهة أخرى، وعلى هذا الأساس رحبت الجبهة بتشكيل المحكمة، وعدّت تشكيلها تجسيدًا لجزء من الاتفاق الذي تم في القاهرة.


معربًا عن أمله في أن تتمكن المحكمة في فرض شخصيتها المستقلة، وأن لا تسمح لأي أحد في التدخل في أعمالها حتى تتوفر شروط النزاهة المطلوبة في العملية الانتخابية.


وعن التخوف من إمكانية تدخل القضاء الإداري أو المحكمة الدستورية في العملية الانتخابية، قال الغول: إن الفصائل اتفقت على أن تكون محكمة الانتخابات دون غيرها هي المخولة في النظر في كل قضايا الانتخابات، وأي تجاوز لذلك فهذا يعني ضربًا للتوافق الوطني، وتحويل المحكمة لأداة من أدوات السلطة التنفيذية، وهذا سيؤدي للطعن في الانتخابات وعدم الإقرار بنتائجها والتشكيك بنزاهتها، مشددًا على ضرورة احترام ما تم التوافق عليه في حوارات القاهرة. 


من جانبه، عبر الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي، وفي حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"، عن تأييده لتشكيل المحكمة، خاصة أنها شُكّلت بالتوافق بين الفصائل، معربًا عن أمله في أن تقوم بعملها بنزاهة كاملة، موضحًا أن مرسوم تشكيل المحكة كان نتيجة لاجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في القاهرة شباط/ فبراير الماضي.


وأشاد البرغوثي بنزاهة قضاة المحكمة واستقلاليتهم عن النشاط والانتماء السياسي، منوهًا إلى أن المعيار هو النزاهة والعدالة وتطبيق القانون بدقة.


ورغم إقراره بإن حالة التخوف الموجودة على الساحة الفلسطينية من إمكانية تدخل القضاء الإداري أو المحكمة الدستورية في العملية الانتخابية يعد تخوفًا مشروعًا، فإنه أكد على أن محكمة قضايا الانتخابات هي الجهة الوحيدة المختصة بالنظر في قضايا الانتخابات دون أي محكمة أخرى وفقًا لما تم الاتفاق عليه بين الفصائل، وبالتالي لن يكون هناك أي تدخل من جهات أخرى لا من القضاء الإداري ولا المحكمة الدستورية. 


أما القيادي في الجبهة الديمقراطية، عصام أبو دقة فقد أكد أن قرار تشكيل محكمة الانتخابات ضرورة واستجابة لكل الفصائل الفلسطينية ضمن نتائج اتفاق القاهرة، تمهيدًا لعملية ديمقراطية شاملة ونزيهة تمكن الشعب الفلسطيني من تذليل كل العقبات لإتمام الانتخابات.


وأوضح أن القضاء الفلسطيني غير مستقل، مشيرًا إلى وجود تدخل مباشر من السلطة التنفيذية في صياغة كل المنظومة القضائية.


بدوره رأى عضو المكتب السياسي لحزب الشعب، وليد العوض، في تصريحات أدلى بها لـ "مركز القدس للدراسات"، في تشكيل محكمة قضايا الانتخابات، مؤشرًا على أن قطار الانتخابات لازال يتقدم من أجل الوصول لمحطته النهائية في 22 أيار/ مايو القادم، مؤكدًا على أن تشكيلها يأتي انسجامًا مع توصيات الفصائل التي التقت في القاهرة خلال الشهر الماضي، ومنسجمًا مع القانون الأساس الذي ينص على تنسيب مجلس القضاء لمحكمة قضايا الانتخابات، ومن ثم صدور مرسوم من الرئيس محمود عباس.


وبخصوص المخاوف من تدخل المحكمة الدستورية أو القضاء الإداري في العملية الانتخابية، أكد العوض على أنه وفقًا لما تم الاتفاق عليه في القاهرة فإن محكمة قضايا الانتخابات وحدها هي من يحق لها النظر في قضايا الانتخابات دون سواها من المحاكم، وبالتالي فإن تلك المخاوف لا مبرر لها. 


آراء الخبراء


منذ صدور القرارات بقانون من الرئيس محمود عباس بشأن تعديل قانون السلطة القضائية، وتشكيل المحاكم الإدارية، أبدت فعاليات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات والأحزاب السياسية، ملاحظات كثيرة بشأن استقلالية القضاء وانعكاسه على العملية الانتخابية، كما يقول مسؤول البحث القانوني والمناصرة المحلية في مؤسسة "الحق" أشرف أبو حية، في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"، والذي يذكّر بتخوّف سابق من تشكيل محكمة انتخابات لا تتمتع بالاستقلالية المطلوبة، وهو الأمر الذي حدا بالفصائل الفلسطينية للتوافق على تشكيل محكمة الانتخابات.


ينوه أبو حية، إلى أن النقاش لا ينبغي أن يقتصر على محكمة قضايا الانتخابات، بل يجب أن يتناول موضوع الانتخابات برمته، بما في ذلك القرارات بقوانين التي صدرت عن الرئيس فيما يخص القضاء والتي من شأنها أن تنعكس على العملية الانتخابية، فمحكمة الانتخابات مختصة بالنظر في الطعون المقدمة لها لإلغاء أو تعديل القرارات الصادرة عن لجنة الانتخابات، بمعنى أنها لا تنظر إلا في الطعون المتعلقة بقرارات لجنة الانتخابات، أما الجرائم الانتخابية وفقًا لقانون الانتخابات، مثل الرشوة الانتخابية والتزوير والتحريض والعبث بصناديق الاقتراع وأمور أخرى تعد جرائم انتخابية، لا تنظر فيها محكمة قضايا الانتخابات، وإنما تنظر فيها المحاكم العادية (محاكم الصلح، ومحاكم البداية)، خاصة وأنه بعد صدور قرار بقانون بشأن المحاكم الإدارية، منحت هذه المحاكم صلاحية التدخل في قضايا الانتخابات. 


أما مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" عمر رحال وفي حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"  فقد أكد على أن تشكيل محكمة الانتخابات جاء بالتوافق بين الفصائل الفلسطينية في حوار القاهرة في شباط/ فبراير الماضي، وبتنسيب شكلي من مجلس القضاء الأعلى، فعلى الرغم من وجود نص قانوني على أن تُشكّل محكمة الانتخابات من مجلس القضاء الأعلى، إلا أن تشكيلها جرى من خلال توافق الفصائل، وهو مؤشر على عدم ثقة الفصائل والمواطنين بمجلس القضاء الأعلى، وخشية الفصائل من تسييس المحكمة أو التأثير عليها في حال شُكّلت من مجلس القضاء الأعلى بالاتفاق مع الرئيس.


وفي حين أعرب رحّال، عن ثقته بقضاة محكمة الانتخابات، وعدّه وجود القاضية إيمان نصر الدين على رأس المحكمة ضمانة للجميع، فإنّه في الوقت ذاته، ينوّه إلى أن تخوف الناس من إمكانية تدخل القضاء الإداري والمحكمة الدستورية في الانتخابات هو تخوف مشروع، بالنظر إلى تغوّل السلطة التنفيذية وتشكيلها لمجلس القضاء الأعلى بشكل غير دستوري، والإتيان بأشخاص يمكن للسلطة التنفيذية أن تتدخل من خلالهم في القضاء. 


بدوره وفي حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" أكد مدير المرصد العربي للرقابة على الانتخابات، عارف جفال، أن تشكيل محكمة الانتخابات هو متطلب قانوني للمضي قدمًا في العملية الانتخابية، وأن تشكيلها جاء بالتوافق بين الأطراف السياسية، في ظل الخلاف حول مسألة القضاء في قطاع غزة والضفة الغربية، موضحًا أنه كان يتمنى أن تُشكّل المحكمة طبقًا للقانون من خلال مجلس القضاء الأعلى، إلا أنّ الواقع غير المثالي، من انقسام وتسلط السلطة التنفيذية على كل مفاصل السلطات الأخرى سواء القضائية أو التشريعية، يفسّر تشكيل المحكمة بتوافق الفصائل على هذا النحو، معربًا عن ثقته بقضاة محكمة الانتخابات ورئيستها إيمان نصر الدين، وأن الفاصل في الأمر هو القرارات التي ستتخذها المحكمة وتطبيقها للقانون بحذافيره وعدم محاباة أي طرف من الأطراف.


واستبعد جفال تدخل القضاء الإداري المستحدث في العملية الانتخابية، مؤكدًا أنه جرى تحييد المحكمة الدستورية في حوارات القاهرة، كما دعا إلى تجميد المحكمة الدستورية، وإعادة تفعيلها بعد الانتخابات، بحيث يقوم المجلس التشريعي بإقرار قانونها، ووضع الأسس لتشكيلها. 


يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الدكتور سعد نمر، في حديث لـ "مركز القدس للدراسات" إلى السياقات التي أوجدت محكمة الانتخابات، فوفقًا للقانون الفلسطيني، بحسب نمر، فإن المحكمة الدستورية هي التي تفصل في القضايا المتعلقة بالانتخابات، لكن وبعد التغييرات المتعلقة بها وبمجلس القضاء الأعلى بقرار بقانون من الرئيس، وقد لقيت اعتراضات كبيرة لعدم شرعيتها، ولأنها جاءت بشكل فردي دون مراجعة طبيعة العمل القضائي إداريًا ودستوريًا، شُكّلت محكمة الانتخابات باتفاق الفصائل، وبما أن هذه المحكمة هي المختصة دون سواها في النظر في قضايا الانتخابات، فلا خشية من تدخل القضاء الإداري أو المحكمة الدستورية في الانتخابات. 


يتفق آخرون مع هذه الثقّة، منهم المحلل السياسي مصطفى الصواف، في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"، فهو يرى أنه وطالما أنّ محكمة الانتخابات شُكّلت بتوافق الفصائل، وفي إطار التأكيد على أنها هي الوحيدة التي ستبت في قضايا الانتخابات دون سواها من المحاكم، فهذا يعني أنه لن يحدث أي تدخل من القضاء الإداري أو المحكمة الدستورية في العملية الانتخابية، حيث جرى تحييدها من خلال حوارات القاهرة. 


وعلى أيّ حال، ومهما يكن اختصاص محكمة الانتخابات، ونزاهة قضاتها والثقة بهم كما يبدي ذلك العديد من السياسيين والحقوقيين والمحللين، فإنّه لا يمكن الزعم باستقلالية أي مؤسسة قضائية ما دامت المنظومة القضائية برمّتها غير مستقلة، كما يقول أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت الدكتور نشأت الأقطش، في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"، ومن ثم فإنّ تخوفات الناس مشروعة في ظل تغوّل السلطة التنفيذية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم وجود رقابة عليها، مما يستوجب أن يكون للجنة الانتخابات دور في تشكيل محكمة الانتخابات، كونها تحظى بالإجماع على نزاهتها، كما يرى الأقطش.


تبدو محكمة الانتخابات والحالة هذه، ذات بعد سياسي، كما يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة الدكتور عدنان أبو عامر، في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"، والذي يذكّر بأنّ الذهاب للانتخابات جاء بتوافق فصائلي، ولم يأت بقرار قانوني أو دستوري، أو من خلال المحاكم، فالقرارات الصعبة والكبيرة، كما يرى أبو عامر، يجب أن تتخذ سياسيًّا بتوافق فصائلي، وفي الحالة الفلسطينية هناك تداخل كبير بين القضاء والسياسة، في ظل التعقيدات القائمة، وبما أنّ موضوع الانتخابات برمته موضوع سياسي بامتياز، فإنّ القضايا القانونية والقضائية المتعلقة به ينبغي أن تعالج بتوافق فصائليّ.


يتفق أبو عامر مع آخرين غيره، من كون التخوف الموجود لدى بعض الفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني من إمكانية تدخل القضاء الإداري والمحكمة الدستورية في الانتخابات تخوفًا مشروعًا، معربًا عن تخوفه من إمكانية صدور بعض القرارات القضائية قبيل الانتخابات مثل تشكيل محاكم أخرى، أو منع مرشحين من خوض الانتخابات، مشددًا على ضرورة أن تبقي الفصائل الفلسطينية حالة اليقظة في أعلى مستوى لتجنب حدوث ذلك.


خاتمة


أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا يقضي بتشكيل محكمة قضايا الانتخابات بناءً على ما اتفقت عليه الفصائل في اجتماعها الأخير في القاهرة، وهو ما لقي ترحيبًا في الأوساط الفلسطينية، مع استمرار حالة عدم الثقة في المؤسسة القضائية، والتوجس من إمكانية تدخل القضاء الإداري أو المحكمة الدستورية في العملية الانتخابية، مع إبداء أكثر الفعاليات والشخصيات ذات الصلة، ثقتها بمحكمة الانتخابات ورئيستها.


وفي حين رأت قوى حزبية، وهيئات متعددة، ومراقبون، المرسوم خطوة إيجابية في السير نحو إتمام عملية الانتخابات، إلا أنّ العديد منهم أكد على خشيته من تغول السلطة التنفيذية وعدم وجود رقيب عليها، واستمرار احتمالات استخدام القضاء الإداري أو المحكمة الدستورية بهدف الإخلال بالعملية الانتخابية والتأثير على نتائجها، وتأتي هذه المخاوف، من كون الانتخابات تجري في ظلّ الانقسام، وبعد سلسلة مراسيم وقوانين رئاسية تعزّز من هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وعلى النحو الذي شكّكت في شرعيته العديد من الفعاليات القانونية والحقوقية.


وفي حين يبدي السياسيون ثقة أكبر في محكمة الانتخابات ضمانة لنزاهة العملية الانتخابية، فإنّ قانونيين قد أكّدوا حصرية نظر محكمة الانتخابات في الطعون على قرارات لجنة الانتخابات، مما يعني إمكان نظر القضاء الإداري في مخالفات انتخابية أخرى لا تتعلق بعمل لجنة الانتخابات، مما قد يسهل حصول تجاوزات صغيرة أو كبيرة، ليس من صلاحيات محكمة الانتخابات النظر فيها.


نصّ قرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة، وهو الذي استند إليه الرئيس عباس في مرسومه الرئاسي القاضي بتشكيل محكمة الانتخابات، على أن محكمة قضايا الانتخابات تختص "بالنظر في الطعون المقدمة لإلغاء أو تعديل القرارات الصادرة عن اللجنة، والطعون التي نص هذا القانون على جواز الطعن فيها أمامها. 2- لا يشمل اختصاص المحكمة الجرائم الانتخابية الواردة في هذا القانون والتي يعود الاختصاص بشأنها للقضاء العادي"، فمرسوم الرئيس لا يستند إلى بيان الفصائل في القاهرة الذي نصّ على أن محكمة قضايا الانتخابات هي التي تتولى "حصرًا دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها والقضايا الناشئة عنها"، وقد صرحت رئيسة المحكمة، إيمان ناصر الدين أنّ "اختصاص المحكمة وصلاحياتها محددة وفق قانون الانتخابات وتعديلاته، وتختص بالطعون المتعلقة بالانتخابات من ضمنها الطعون في نتائج الانتخابات"، وهو ما يعني أنه، وففقًا لقانون الانتخابات وتعديلاته، إمكان تدخل المحاكم الأخرى، غير محكمة قضايا الانتخابات، في مخالفات انتخابية خارج اختصاص محكمة قضايا الانتخابات.


وإذا كانت محكمة قضايا الانتخابات، ستحول بين المؤسسة القضائية "المسيسة"، بحسب العديد من المراقبين، وبين تدخلها في قضايا الانتخابات، فإنّ إمكان العودة لاستخدام القضاء الإداري، والمحكمة الدستورية، بعد النتائج وتشكيل المجلس التشريعي، يبقى قائمًا، لاسيما وأن مرسوم الرئيس عباس الداعي لإجراء الانتخابات، قد استند في ديباجته إلى قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم (10) لسنة (3) قضائية، فالانتخابات برمّتها، من الناحية القانونية، وكما في المرسوم الرئاسي، تستند إلى قرار المحكمة الدستورية، والذي بدوره حلّ المجلس التشريعي السابق، وذلك في حين استند بيان الفصائل في القاهرة إلى المرسوم الرئاسي، مما يعني ضمنيًّا إقرارًا بالمحكمة الدستورية.


بالنظر إلى كل هذه التدابير القانونية التي أحاط بها الرئيس عباس إجراء الانتخابات، لا يمكن القول إن محكمة قضايا الانتخابات، تكفي ضمانة لنزاهة الانتخابات، أو لكفّ تدخل الجهاز القضائي المتهم بالهيمنة عليه من السلطة التنفذية، الأمر الذي يعني من جهة أن العديد من المحللين السياسيين، لم يلتفتوا بشكل كاف لصيغ المراسيم والقوانين والتطورات المتعلقة بالمؤسسة القضائية، ومن جهة أخرى يبدو أن قادة الفصائل كانوا معنيين بإنجاز الاتفاق حول الانتخابات، بحدّ أدنى من التفاهم، دون الخوض في العقد القانونية التي قد تفجر الاتفاق، أو تؤخّر الذهاب إلى الانتخابات.