مرسوم تعزيز الحريات العامة .. إشادات ومخاوف

فضل عرابي
27-02-2021

كتب: فضل عرابي


صحفي وباحث


ملخص


أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في 20 شباط/ فبراير 2021، مرسومًا رئاسيًا بشأن تعزيز "الحريات العامة" قبيل الانتخابات العامة المقررة في شهر أيار/ مايو المقبل.


وأكد عباس: على توفير مناخ الحريات العامة، على أن يكون المرسوم ملزمًا للأطراف كافة في أراضي دولة فلسطين.


وجاء المرسوم بناءً على ما اتفقت عليه الفصائل الفلسطينية في اجتماعها الأخير في القاهرة، برعاية مصرية بشأن آليات إجراء الانتخابات العامة.


وعانى الفلسطينيون آثار الانقسام السياسي المستمر بين حركتي "فتح"، و"حماس" منذ 2007، وفي مقدمتها الاعتقالات على خلفية الانتماء السياسي وحرية الرأي والتعبير بالضفة الغربية وقطاع غزة، وإصدار قوانين للتحايل على الاعتقال السياسي مثل قانون الجرائم الإلكترونية، وحجب العديد من المواقع الإلكترونية.


تعرض هذه الورقة المرسوم الرئاسي، ومواقف الفصائل والشخصيات الفلسطينية منه، كما تتناول موقف لجنة الانتخابات المركزية وعدد من الهيئات الإعلامية والصحفية، وآراء مجموعة من الخبراء والكتاب الفلسطينيين.


المرسوم


نص المرسوم على "تعزيز مناخ الحريات العامة في أراضي دولة فلسطين كافة، بما فيها حرية العمل السياسي والوطني، وفقًا لأحكام القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة".


وأكد المرسوم على: "حظر الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والاعتقال وكافة أنواع المساءلة خارج أحكام القانون، لأسباب تتعلق بحرية الرأي والانتماء السياسي".


وأمر المرسوم بـ"إطلاق سراح المحتجزين والموقوفين والمعتقلين والسجناء على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي، أو لأسباب حزبية أو فصائلية كافة في أراضي دولة فلسطين".


كما أكد على "توفير الحرية الكاملة للدعاية الانتخابية بأشكالها التقليدية والإلكترونية كافة، والنشر والطباعة وتنظيم اللقاءات والاجتماعات السياسية والانتخابية وتمويلها وفقا لأحكام القانون".


ونص المرسوم كذلك على: "توفير فرص متكافئة في وسائل الإعلام الرسمية لكافة القوائم الانتخابية دونما تمييز وفقًا للقانون".


وأفاد بأن "تتولى الشرطة بلباسها الرسمي دون غيرها من الأجهزة والتشكيلات الأمنية، حماية مراكز الاقتراع والعملية الانتخابية في أراضي دولة فلسطين، وضمان سيرها بنزاهة وفقًا لأحكام القانون".


كما نص على "ضرورة توفير الدعم الكامل والتسهيلات المطلوبة للجنة الانتخابات المركزية وطواقمها، للقيام بمهامها على النحو الذي رسمه القانون".


وأكد على "إلغاء كل ما يتعارض مع أحكام المرسوم".


مواقف الفصائل والشخصيات الفلسطينية


طالبت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بتطبيق المرسوم على "أرض الواقع" وذلك على لسان الناطق باسمها حازم قاسم " والذي أشار إلى أنّ "المرسوم هو أحد متطلبات حوارات القاهرة وأحد مكونات البيان الختامي لها"، لافتًا إلى أنّ "الفصائل طلبت فتح مجال الحريات في الضفة الغربية حتى تتمكن من إجراء انتخابات حرة ونزيهة".، وذلك في حين عدّ عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمد نزال، المرسوم، تنفيذًا عمليًّا لما اتفق عليه في القاهرة، ضمن مجموعة من الإجراءات الأخرى  لتوفير أجواء ودية ومتفائلة قبل الانتخابات، ولتجاوز حالة الإحباط والشكوك وعدم الثقة التي تراكمت طوال 15 عامًا جراء عدم تنفيذ الاتفاقيات الموقعة. 


بدوره عدّ أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" اللواء جبريل الرجوب، المرسوم بمثابة خطوة استراتيجية باتجاه إنجاح المسيرة الديموقراطية نحو إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وانعطافًا هامًا في مسار الحياة الوطنية وعاملًا أساسيًا في إعادة صياغة الحياة العامة لكافة الفلسطينيين، منوهًا إلى أنّ أهمية المرسوم تكمن في كونه يشمل كل الأراضي الفلسطينية، وجاء بالاتفاق بين كافة فصائل العمل الوطني في إطار استعدادها للالتزام بمضمونه، موضحًا أن تنفيذ هذا المرسوم سيخضع إلى حوار ومراقبة من الكل الفلسطيني وتذليل أي عقبات قد تعترض تطبيقه. 


من جانبه أكّد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، على أنّ إصدار المرسوم يعني أن ما تم الاتفاق عليه تم تنفيذه، معتبرًا ذلك "تأكيدًا على أهمية العملية الانتخابية، كمدخل لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة". 


ومن جهته رأى عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية طلال أبو ظريفة في المرسوم ترسيخًا لحالة وطنية، وتأكيدًا على الإجماع الوطني بناءً على توافق الفصائل في حوارات القاهرة، وشدد على ضرورة أن يشكل هذا المرسوم مدخلًا للكل الفلسطيني، والعمل بكل السبل لإنجاح الانتخابات لضمان نزاهتها وشفافيتها والتزام الجميع بنتائجها. 


فيما رأى عضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض المرسوم تأكيدًا على إصرار القيادة على إنهاء الانقسام، وتوحيد شطري الوطن، والذهاب للانتخابات بمواعيدها الثلاثة، واحتكامًا للنظام والقانون الأساسي لدولة فلسطين، على حد قوله، مؤكدًا على ضرورة إخلاء سبيل كل المعتقلين على خلفية الرأي في كل الأراضي الفلسطينية، ومعربًا عن أمله بأن يكون هناك التزام بالمرسوم بشأن الحريات العامة. 


أما أمين عام جبهة النضال الشعبي أحمد مجدلاني فقد عدّ المرسوم ترجمة أمينة وصادقة، والتزامًا بما نتج عن حوار القاهرة، للمضي قدمًا في إجراء الانتخابات العامة، معربًا عن أمله بأن تأخذ قيادة حماس هذا المرسوم على محمل الجد، وتعمل على تطبيقه، التزامًا بما اتفق عليه في القاهرة. 


بدوره أكد عضو المجلس الوطني الفلسطيني الدكتور محمد عياش، على مضمون المرسوم من جهة تعزيز حرية العمل السياسي والوطني، وتوفير أجواء من حرية الرأي والتعبير، وإتاحة إمكانية التجمعات السياسية والانتخابية، وحظر الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والاعتقال، وكافة أنواع المساءلة خارج أحكام القانون، وتضمنه مادة تنص على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتشجيعه الجميع على الانخراط في العملية الديمقراطية دون خوف أو ملاحقة على خلفية الانتماءات السياسية أو حرية الرأي والتعبير. 


من جانبه، وفي حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" وصف وزير الأسرى الأسبق وصفي قبها، المرسوم بكونه تأكيد المؤكد في القانون الأساسي المعدل عام 2005، والذي كفل الحريات العامة، وحرية الرأي والتعبير، منوهًا إلى أنه من حيث الأصل، لا حاجة لإصدار هذا المرسوم، وأنّ المطلوب فقط تنفيذ ما نص عليه القانون، والذي لو كان يطبق على أرض الواقع لما كان ثمة حاجة للمطالبة بالحريات التي يكفلها القانون، على حدّ قوله.


ويخشى قبها من استمرار الأجهزة في الانتهاكات ومصادرة الحريات، مفسرًا هذه الشكوك،  بتغول السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية وانتهاكاتها المستمرة والصارخة للقانون، دون وجود رقيب أو سلطة تحاسبها على تجاوزاتها.


منوهًا إلى تحايل الأجهزة بما يكيف اعتقالاتها السياسية قانونيًّا، فهي تحاكم نقل الأموال التنظيمية بتهمة غسيل الأموال، والنقد السياسي بتهمة التشهير وذم المقامات العليا، مشيرًا إلى أنّ قانون الجرائم الإلكترونية بحد ذاته تحايل على الاعتقال السياسي، وإلى تهم يعتقل على خلفيتها مواطنون من قبيل الخروج عن الشرعية وعدم الاعتراف بها، مما تتغطى به السلطة لإنكار وجود اعتقال سياسي.


من جهته، رأى النائب السابق فتحي قرعاوي، في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"، في المرسوم قرارًا إيجابيًّا؛ يستجيب إلى حاجة الساحة الفلسطينية إلى ضمان كافة الحريات، منوهًا إلى أن الاختبار في التطبيق، بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف الاعتقالات على خلفية سياسية وفصائلية، مشددًا على ضرورة العمل بما أعلن، وإصدار التوجيهات إلى الجهات المختصة بالالتزام بذلك.


لجنة الانتخابات المركزية ترحب


رأت لجنة الانتخابات المركزية في المرسوم ما من شأنه أن يعزز حرية العمل السياسي والوطني، ويوفر أجواء من حرية الرأي والتعبير، ويتيح إمكانية التجمعات السياسية والانتخابية، خصوصًا خلال فترة الدعاية الانتخابية، إضافة إلى انه يَحظر الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والاعتقال، وكافة أنواع المساءلة خارج أحكام القانون.


وأوضحت أن المرسوم سيسهل عملها في سبيل إنجاز الانتخابات، إذ سيعطي مساحة أكبر من حرية التعبير اللازمة لتنفيذ انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة، تتساوى فيها الفرص أمام جميع القوائم والمرشحين. 


مؤسسات إعلامية ترحب


رأى المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى" أن إصدار هذا المرسوم من شأنه أن يضفي أجواء ايجابية على الحريات الإعلامية، وحرية العمل الصحفي في فلسطين بشكل عام، وعلى أجواء العملية الانتخابية بشكل خاص، مما يعزز قيم الديموقراطية وحرية التعبير، ويحقق السلم المجتمعي، ويعطي المساحة للصحفيين والمؤسسات الإعلامية للعمل بحرية ومهنية لتغطية إعلامية موضوعية للانتخابات القادمة.


ودعا "مدى" إلى المباشرة بتنفيذ بنود هذا المرسوم بشكل عاجل ، لإنهاء الآثار السلبية التي تركتها حالة الانقسام الفلسطيني على الحريات العامة والحريات الإعلامية. 


كما رحب منتدى الإعلاميين الفلسطينيين بالمرسوم، وطالب بترجمته على أرض الواقع من خلال إطلاق الحريات الإعلامية والسماح لوسائل الإعلام العمل بحرية في الضفة الغربية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها الحزبية.


ودعا إلى وقف ملاحقة واستدعاء الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين على خلفية عملهم الصحفي وآرائهم السياسية، وإلى إلغاء قرار حجب المواقع الإلكترونية التابعة لوسائل إعلامية فلسطينية. 


من جهته، أكد منسق لجنة دعم الصحفيين في الأراضي الفلسطينية الصحفي صالح المصري، أن المرسوم من شأنه أن ينعكس بالإيجاب على حرية العمل الصحفي على ضوء الانتهاكات التي طالت عدد من الصحفيين الفلسطينيين نتيجة الانقسام، أو بسبب قانون الجرائم الإلكترونية وكل ما تبعه من إجراءات وقرارات تحد من حرية العمل الصحفي، لاسيما حجب العديد من المواقع الإعلامية الفلسطينية ومنع بعض المؤسسات والشركات الإعلامية من العمل في الضفة الغربية.


وبين المصري، أن المرسوم يفتح المجال أمام المؤسسات الصحفية للعمل بحرية وفق الضوابط المهنية لتغطية الانتخابات بمسؤولية وطنية واجتماعية تحافظ على النسيج المجتمعي، وتعكس الجو الديمقراطي الذي يتمناه الشعب الفلسطيني من سنوات طويلة. 


آراء الخبراء


في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" عدّ عضو لجنة الحريات العامة خليل عساف المرسوم، خطوة جيدة تهيء لأجواء إيجابية، لكن بشرط الالتزام بما ورد فيه، مبديًا تخوفه من عدم التزام الأجهزة الأمنية سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.


ونوّه إلى أنّ المرسوم هو بمثابة اعتراف بوجود معتقلين سياسيين لدى الأجهزة الأمنية، بينما كان الجميع طوال الوقت ينكر وجودهم، واعتراف كذلك بوجود انتهاكات لحريات المواطنين، وتعدٍ على القانون، طوال المرحلة الماضية.


وطالب عساف بضرورة احترام القانون، وملاحقة كل شخص اعتدى على الإنسان الفلسطيني بطريقة غير شرعية، مع ضرورة إنشاء جهات رقابية على السلطة التنفيذية في الضفة وغزة.


وانتقد عساف الفصائل الفلسطينية بقوله، إنه كان حريًّا بها أن تطالب بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية، والذي يمكن للأجهزة الأمنية أن تفسره بالطريقة التي تراها، ومن ثمّ ستستمر عملية توقيف المواطنين واحتجاز حرياتهم. 


من جانبه، وفي حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" أكد مدير مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان، شعوان جبارين، على أنه لم يكن ثمة حاجة لإصدار هذا المرسوم في ظل ما نص عليه القانون الأساسي، والذي يُعدّ بمثابة الدستور، في مجال الحريات، مشددًا على أن هذه حقوق دستورية يجب احترامها وعدم انتهاكها، وأن ذلك يختاج إلى إرادة سياسية، وتطبيق واحترام القوانين السارية التي نصت على احترام هذه الحقوق. 


وفي حين أعاد التأكيد على أنّ القانون الأساسي يغني عن مرسوم الحريات، فإنّ الواجب كان يقضي، بحسب جبارين، بمحاسبة من انتهك القانون وحريات المواطنين من قبل، مشددًا على ضرورة مساءلة من ينتهك هذه الحقوق ويتجاوز بالقانون، وضرورة وجود جهات رقابية تراقب عمل السلطة التنفيذية، ونوه إلى أن غياب المجلس التشريعي والذي يمثل سلطة تشريعية ورقابية، جعل السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية تنتهك الحقوق والحريات في الضفة والقطاع، مؤكدًا أن المشكلة ليست في النصوص القانونية بل في التطبيق.


وفي حين ما تزال مراسيم الرئيس عباس، وإجراءاته الأخيرة، بخصوص المنظومة القضائية محل جدل، فإنّ جبارين، قد نوه إلى ضرورة بناء السلطة القضائية كما نص عليه قانون السلطة القضائية لعام 2002، وتوحيد الجهاز القضائي في غزة والضفة، ليكون هو الضامن الأساس لموضوع الحريات والحقوق والمحاكمة العادلة وعدم التعسف. 


بدوره نوّه الناشط الحقوقي ماجد العاروري في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات"، إلى أنّ المرسوم هو إعادة تأكيد على مبادئ دستورية وردت في القانون الأساسي الفلسطيني، إلا أنّ أهميته تكمن في مسألة تعزيز الثقة لدى المواطنين بأن المشهد الفلسطيني يتجه نحو المزيد من الحريات التي غابت خلال الفترة الماضية نتيجة الانقسام، وهو تعبير عن سياسات أكثر من كونه إجراءات قانونية، لأن هذه الإجراءات القانونية منصوص عليها في القانون الأساسي.


ومن ثم، وبحسب العاروري، فإنّ المرسوم يشكل قوة دفع معنوية لاحترام الحريات، وإيجاد بيئة ملائمة لإجراء الانتخابات، معربًا عن أمله أن تلتزم الأحزاب السياسية المسيطرة على الحكم في الضفة والقطاع بما ورد فيه، وأن تسارع لإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين لديها بغض النظر عن الغطاء القانوني لاعتقالهم على أساس جنائي أو تهم أخرى.


إنّ امتناع الأجهزة الأمنية، وبشكل مطلق، عن ممارسة أي نوع الضغوط على الناشطين، خاصة القريبين من التنظيمات لمنعهم من المشاركة في أي قوائم أو كتل انتخابية، من لوازام الجريات، وضرورات العملية الانتخابية، بحسب العاروري، والذي يرى أن نزاهة الانتخابات لا تتم فقط من خلال عملية الاقتراع فحسب، وإنما من خلال البيئة المحيطة بها، والتي يجب أن تكون حامية للحريات العامة، وتمكن الناس من التعبير عن رأيهم وبرامجهم الانتخابية والتجمع بحرية تامة.


وكغيره من المراقبين، لم يفت العاروري، التأكيد على ضرورة تجميد قانون الجرائم الإلكترونية، إلى حين انتخاب المجلس التشريعي ليبت فيه، مطالبًا الرئيس محمود عباس بإلغاءه في بادرة حسن نية نحو تعزيز الحريات العامة في فلسطين، فهذا القانون، بحسب العاروري، سيف مسلط على الناس، وقد ثبت استخدامه بشكل مسيء للحريات العامة خلال السنوات السابقة.


أما مدير البرامج في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات" خليل شاهين وفي حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" فقد شارك غيره من المراقبين في كون المشكلة لم تكن في نقص المواد القانونية المعززة للحريات، المكفولة بموجب القانون الأساس، لكن المشكلة هي في الالتزام بتطبيق هذه القوانين.


إنّ تصرف الطرفين المسيطرين في الضفة وغزة بعد صدور المرسوم، بحسب ما يقول شاهين،، جاء ليسلط الضوء على المشكلة القائمة منذ الانقسام وهي إنكار وجود اعتقال سياسي، ولذلك فإن صدور المرسوم لا يضيف أي جديد إلى الواقع القائم.


إلى جانب الاعتقالات السياسية التي قد توجد، أو تتوقف، فإنّ شاهين يشير إلى وجود استدعاءات وحجب لمواقع إلكترونية، بالإضافة إلى قانون الجرائم الإلكترونية الذي يمكن من خلاله اعتقال أي شخص وتوجيه تهمة له، ولو على خلفية تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يمكن أن يكيف بأنه مساس بوحدة النسيج المجتمعي والمصلحة الوطنية العليا وغيرها من التعبيرات الفضفاضة للهروب من أن هذا الأمر يندرج في إطار التضييق علي الحريات العامة.


وفي حين ركز شاهين نقده على ممارسة السلطة الفلسطينية في الضفّة، فإنه نوه إلى أن الأمر ذاته ينطبق على حركة حماس في قطاع غزة، التي استخدمت المحاكم أخيرًا لإصدار أحكام على مجموعة من الأشخاص، لنفي وجود ممارسة اعتقال سياسي لديها، ولتكييف الحالات التي لديها أمنيًّا وجنائيًّا، مشيرًا إلى تصريحات صدرت عن الحركة، عقب إطلاقها سراح 45 معتقلاً، قالت إنهم اعتقلوا على خلفيات جنائية وأمنية.


إنّ واحدة من أكبر المشكلات التي تعيق حصار ظاهرة الاعتقال السياسي، وقمع الحريات، هي التأويلات والتفسيرات التي تستخدم من الطرفين، بحسب شاهين، لانتهاك الحريات في الضفة والقطاع. والتي ما تزال قائمة.


يبدي شاهين حشيته من أن يتواصل انتهاك الحريات وفقًا لهذه المبررات في سياق التحضير للانتخابات، لافتًا إلى إعادة استخدام المحاكم في قطاع غزّة للتضييق على الحريات والضغط على حركة فتح رغم وجود اتفاق ضمني بعدم استخدام المحاكم، وهو الأمر ذاته الذي يستخدم في الضفة الغربية، حيث يحاكم صحافيون منذ سنوات، مدون اعتقال، ولكن توجه لهم تهم مختلفة، ممّا يمكن أن يستمر في الضفة.


إنّ إشراك الفصائل الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية في الرقابة على ما يجري في الضفة والقطاع، لتحديد ماهية الاعتقال السياسي والاعتقال على خلفية الرأي، قد يكون من الأدوات الضرورية لعلاج ظاهرة الاعتقال السياسي، وإبطال أدوات التحايل التي تستخدم التأويلات والتفسيرات، بحسب ما يقترح شاهين.


إنه ولتوفير الأجواء المطلوبة لإنجاح العملية الانتخابية، يفترض، بحسب ما يرى مراقبون، أن يُطلق سراح المعتقلين والموقوفين على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي، أو لأسباب حزبية أو فصائلية فورًا، وأن توقف الملاحقة الأمنية للنشطاء السياسيين ومنح تغطية إعلامية متوازنة في الإعلام الرسمي الفلسطيني للجميع، فإذا كان إصدار المرسوم جيدًا، فإن إطلاق الحريات واجب دون مرسوم.


خاتمة


أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا لتعزيز الحريات العامة في كافة الأراضي الفلسطينية بناءً على ما اتفقت عليه الفصائل في اجتماعها الأخير في القاهرة، وهو ما لقي ترحيبًا في الأوساط الفلسطينية، مع التأكيد على ضرورة أن يتحول المرسوم من أقوال إلى أفعال على أرض الواقع، لاسيما إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف ملاحقة الناشطين على خلفية حرية الرأي والتعبير، فإنّ العبرة في التنفيذ لا في النصوص القانونية.


وفي حين رأت قوى حزبية، وهيئات متعددة، ومراقبون، المرسوم خطوة إيجابية من أجل العودة للمسار الصحيح وإطلاق الحريات العامة، إلا أنّ العديد منهم أكد أن القانون الأساس كفل الحريات العامة لكافة المواطنين الفلسطينيين، وأنّ المشكلة كانت دائمًا في انتهاك القانون، ومن ثمّ فالقانون الأساس يغني عن إصدار المرسوم، وإن رأى فيه البعض خطوة سياسية أكثر منها قانونية، لمنح الأجواء الانتخابية المزيد من المصداقية، كما رأى فيه البعض جزءًا من نتائج المصالحة المرتقبة، والتي لا بدّ وأن تتضمن طي صفحة الماضي، وإطلاق الحريات السياسية والحزبية بكل مقتضياتها.


وفي حين ينصرف الحديث عادة، في مثل هذه السياقات، إلى الاعتقال السياسي، وملاحقة النشطاء على خلفية حرية الرأي والتعبير والانتماء الحزبي، فإنه لم يفت المراقبين الحديث عن ضرورة رفع الحجب عن المواقع الإلكترونية المحجوبة على خلفية سياسية، وإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية، أو تجميده لحين انتخاب مجلس تشريعي ينظر فيه، إذ يستخدم هذا القانون لتكييف استهداف الرأي في الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، كما دعا المراقبون لإعادة تشكيل الجهاز القضائي وتوحيده في غزة والضفة، وتأسيس جهات رقابية على السلطة التنفيذية.


تقارير