مستقبل العلاقات الأوروبية الإسرائيلية

عماد أبو عواد
14-03-2020
إعداد: عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس




مقدمة

اليهود في أوروبا تاريخ طويل، ما بين العلاقة الهادئة، والملاحقة التي جعلت من أوروبا أرضاً غير مرغوب بها للجالية اليهودية، الأمر الذي دفع الكثير من المؤرخين، من اعتبار حقبة اليهود في أوروبا، خراب حلّ عليهم، حيث كان على اليهودي دخول النصرانية أو التعرّض للقتل[1]، فقد كانت كراهية اليهود سمة تتسم بها غالبية الأراضي الأوروبية.

وفي ظل حقيقة أنّ بريطانيا كانت تدعم اليهود من أجل إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، حيث أصدرت في العام 1917 وعد بلفور، الذي منحهم الحق بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، فقد اعبر بعض المؤرخين أنّ هذا الدعم، كان بهدف الخلاص من اليهود، وتجميعهم في دولة تُعيق تقدم الشرق، لذلك نجد من يربط حتى بالمحرقة التي حلّت باليهود على يد النازية، وبين إقامة الدولة العبرية، تحت عنوان، لقد ساهمت المحرقة بإقامة "إسرائيل"[2].

الدور البريطاني الكبير في تأسيس الدولة العبرية، وتهيئة الأجواء لليهود للهجرة إلى فلسطين، ومن ثم تسليحهم وفتح المجال أمامهم، من خلال إقامة مؤسساتهم، وقمع المحاولات العربية للتصدي لهم، هيء الأجواء لعلاقات قوّية بين "إسرائيل" وبعض الدول الأوروبية مع بداية تأسيس الدولة العبرية[3]، رغم أنّ العلاقة التي تصاعدت مع الولايات المتحدة فيما بعد، حلّت مكان الحلف الاستراتيجي بين الجانبين.

العلاقات الإسرائيلية-الأوروبية حتى حرب حزيران 1967.

مع إعلان قيام الدولة العبرية، سارعت غالبية الدول الأوروبية بالاعتراف "بإسرائيل"[4]، حيث في ظل وجود الثقل الروسي والتي كانت أولى المعترفين بالدولة الوليدة، كما أنّ بريطانيا صاحبة الفضل بالتأسيس، وجدت نفسها غالبية الدول الأوروبية تذهب بهذا الاتجاه.

ثلاث دول ما قبل حرب عام 1967 على الساحة الأوروبية، حظيت بها العلاقة "الإسرائيلية" مساحة جيدة من تسليط الضوء، فإلى جانب بريطانيا، كانت فرنسا وكذلك العلاقة مع الدولة الألمانية، خاصة بعد بدء المشاورات لقبول التعويضات الألمانية.

ورغم أنّ بريطانيا كانت الداعم الأهم في وجود "إسرائيل"، إلّا أنّ العلاقة معها شهدت تراجعا ما بعد تأسيس الدولة، ليس من منطلق رفض الدولة البريطانية لإسرائيل، بل لما اعتبرته إسرائيل محاولة بريطانيا الوقوف إلى جانب العرب في العديد من القضايا[5]، الأمر الذي انعكس سلباً على النظرة "الإسرائيلية" لبريطانيا، معتبرين أنّها انتقلت من الحاضنة "لإسرائيل"، إلى الساعية لتوازنات في العلاقات.

التحسن على العلاقات ما بين الطرفين كان خلال العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، والذي فيه اشتركت إسرائيل إلى جانب فرنسا وبريطانيا[6]، هذا التحسن في العلاقة استمر بين الطرفين، لكنّ في ظل اتهامات إسرائيلية لبريطانيا بأنّها تميل لصالح العرب.

تحسن كبير طرأ على علاقة بريطانيا وإسرائيل، مع بداية خروج بريطانيا من بعض الدول العربية، حيث أعادت بريطانيا دعم إسرائيل بالسلاح، مقابل الحفاظ على استقلال الأردن، الأمر الذي اعتبرته كلا البلدين مصلحة مشتركة[7]، لكن المؤشرات كانت تؤكد أنّ السعي الإسرائيلي باتجاه بلورة حلف مع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي، اللتان كانتا الدولتان الأكبر[8]، جاء بدوره على حساب الرغبة الإسرائيلية في استمرار بريطانيا كحليف أول واستراتيجي.

على الجانب الآخر، كانت العلاقات الإسرائيلية الفرنسية، تأخذ طابع الازدهار المتسارع والكبير، حيث وبسبب العداء الفرنسي لنظام جمال عبد الناصر في مصر، تحولت فرنسا إلى الداعم الأول لإسرائيل في السلاح، حتى حرب حزيران عام 1967، إلى جانب تزويدها بمستلزمات بناء مفاعلها النووي[9].

مع وصول شارل ديجول للحكم، وانسحابه من الجزائر، فإنّ العلاقات مع إسرائيل استمرت بوتيرة أقل، على قاعدة تطوير فرنسا علاقاتها مع العرب، دون تدخل إسرائيلي، وكذلك بناء علاقات مع إسرائيل دون تدخل عربي[10]، وقد حرصت إسرائيل على جعل تلك العلاقة، أحد أهم ركائز اختراقها للعالم في ظل حقيقة كونها دولة وليدة.

كما أنّ إسرائيل استطاعت بناء علاقات مع ألمانيا، والتي قبلها بعقد من الزمن ارتكبت بحقهم المحرقة، حيث وقعت إسرائيل مع المانيا اتفاق تعويضات بمليارات الدولارات، وتحولت ألمانيا إلى أحد الدول التي تُساهم بمد إسرائيل بالسلاح[11]، رغم وجود معارضة إسرائيلية داخلية قوّية ضد هذا التوجه.

اتسمت سنوات الخمسينيات والستينيات ما قبل حرب حزيران، بعمل إسرائيلي دؤوب من أجل اختراق الساحة الأوروبية، وقد تمكنت ببلورة علاقات إيجابية مع الدول الأوروبية الأساسية، إلى جانب قدرتها على نيل اعتراف من غالبية الدول مبكراً في ذلك الوقت.




العلاقات ما بين الجانبين بعد حرب حزيران 1967

في ظل الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، والحرب الباردة ما بين تكتلي الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، باتت العلاقات ما بين إسرائيل وأوروبا، تأخذ شكل العلاقة ما بين دولة مع اتحاد، حيث بات التوجه الأوروبي في التعامل مع المنطقة الشرق أوسطية، بما في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي، يأخذ شكل الطابع المُشترك بين دول اتحاد أوروبا.

في العام 1964، تم توقيع اتفاق بين إسرائيل والدول التي كانت ضمن المجموعة الأوروبية، وكان هذا الاتفاق مقدمة لاتفاق مهم في العام 1975، والذي نص على إقامة منطقة تجارة حرّة، ورغم أنّ الاتفاق كان واضحاً بين الطرفين، لكنّه لم يشمل تعاون في القضايا الأخرى[12].

ووفق المعطيات فقد وصل حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، إلى 36 مليار دولار[13]، في ظل علاقات جيدة، تمخضت عن قدرة من يحمل الجنسية الإسرائيلية لدخول كل دول الاتحاد الأوربي دون فيزا[14]، لكن ذلك لم يمنع وجود خلاف دائم بين الطرفين فيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي[15].

في هذا السياق يجب أن نفهم أنّ العلاقات بين إسرائيل وأوروبا أخذت طابع العلاقات غير المبنية على حلف استراتيجي، في ظل وجود دول أوروبا الوازنة في اتحاد، جعل من اتخاذ القرارات الخارجية والسياسية غالباً، بالتوافق بين تلك الدول، الأمر الذي جعل منها أكثر توازناً، تاركةً هذه الساحة السياسية بشكل أساس للثقل الأمريكي.




"إسرائيل" في ميزان الدول الأوروبية المختلفة

تُعتبر هنغاريا هي أكثر دولة تبذل جهودا في منع قرارات الاتحاد الأوروبي التي تنتقد سياسة الحكومة الإسرائيلية[16]، في حين أن إيرلندا هي أكثر دولة تنتقد الحكومة الإسرائيلية، بينما تعتبر فرنسا الدولة الأكثر دعما لتجديد ما يسمى "جهود السلام" الدولية[17].

طالب الاتحاد الأوروبي في إعلان البندقية (فينيسيا) عام 1980، الالتزام بالعمل بشكل ملموس أكثر من أجل السلام، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة[18]، الأمر الذي تأخذه إسرائيل منذ سنوات على أنّه ليس توازناً بل ميول لصالح الشعب الفلسطيني.

هدف الإعلان الأوروبي لم يتغير كثيرا والأسس التي جاءت فيها، وهو لا يزال إلى اليوم يدعم التوجه الأوروبي لحل الدولتين، لكنّ صلة الاتحاد الأوروبي بحل الدولتين تتضاءل في ظل الهيمنة الأميركية في الوساطة، والتحفظ الإسرائيلي من أية مبادرة أوروبية[19].

وبين الأسباب المركزية التي جعلت الاتحاد الأوروبي في الخلفية بكل ما يتصل بالصراع الإسرائيلي، وعلى رأسها أن السياسية الخارجية تتطلب إجماعا تاما، ما يعني، عمليا، أن كل دولة عضو في الاتحاد تستطيع أن تستخدم حق النقض على كل قرار أو تصريح. وهذه الحقيقة لا تؤثر فقط على العلاقات مع إسرائيل، بل على دول أخرى.

كما أنّ "إسرائيل" ترى أنّ العقبة الثانية، والتي تمنع تحول الاتحاد الأوروبي إلى لاعب فعال في الشرق الأوسط، فهي على المستوى الأيديولوجي، وهي الحوار المتصاعد حول "سيادة أوروبية أمنية – استراتيجية"، الأمر الذي أحدث شرخا بين "الدول التقدمية" و"الدول الأكثر قومية"، ومنع إجراء حوار موحد في التصورات الأمنية للشرق الأوسط[20].

وتتصل العقبة الثالثة بمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، والذي يحظى باهتمام أكبر من باقي القضايا، ويعمق انفصال بريطانيا عن أوروبا بكل ما يتصل بالسياسة الخارجية والأمن.

أمام هذه القضية، وحقيقة ميل الاتحاد الأوربي لحلّ الدولتين، في ظل تراجع ثقله السياسي عالمياً، فإنّ إسرائيل تسعى بقيادة نتنياهو، إلى كسر العلاقة بين القضية الفلسطينية وبين تطوير العلاقات مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه يعمل على "تعزيز" الربط بين الانتقادات لسياسة إسرائيل وبين معاداة السامية[21]، ويتجلى ذلك، في الأساس، في علاقة إسرائيل مع الحكومة النمساوية الحالية. وهذه السياسة تشكل تهديدا للعلاقة بين إسرائيل وبين "الجاليات اليهودية" التي ترى جوانب عنصرية تجاه اليهود في ائتلاف اليمين المتطرف في بلادهم.

ووفق الرؤية "الإسرائيلية"، فإنّ علاقات دول الاتحاد الأوروبي مع "إسرائيل" تنقسم إلى ثلاث كتل مركزية، الأولى هي الدول التي تنتقد سياسة الحكومة الإسرائيلية مثل إيرلندا وفرنسا والسويد وبلجيكا وإسبانيا والدانمارك ولوكسمبورغ ومالطا والبرتغال وسلوفينيا.

وكانت إيرلندا أكثر الدول انتقادا لسياسات إسرائيل[22]، وتعمل حاليا على سن قانون داخلي يمنع استيراد منتجات المستوطنات، بينما السويد هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي اعترفت بفلسطين على شكل علاقات دولية كاملة. أما في إسبانيا فيعمل اليسار على الدفع بمشاريع مختلفة لحماية حركة مقاطعة إسرائيل، بينما تتركز فرنسا في الدفع بمبادرات سلام، في حين تميل كل من الدانمارك وفنلندا، مؤخرا، إلى احتلال منتصف قائمة الدول.

أما المجموعة الثانية فتضم الدول "المعتدلة"، بحسب الدراسة، وتضم كلا من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا. ومع ذلك فإن إيطاليا تميل إلى الدفاع عن الفلسطينيين في مناطق "ج"، في حين تميل ألمانيا أحيانا إلى توجيه انتقادات[23].

وتضم المجموعة الثالثة الدول الداعمة لإسرائيل، وهي دول فيسغراد إضافة إلى النمسا ورومانيا وبلغاريا وكرواتيا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا واليونان وقبرص. ومع ذلك، فإن علاقات إسرائيل مع بولندا تشهد بعض التوتر، في حين أن الدول البلطية لا تزال تدعم حل الدولتين.[24]

قضايا تُريدها "إسرائيل" من علاقة قوّية مع أوروبا.

وحول مستقبل العلاقات بين البلدين، فإنّ لأوروبا أهمية كبيرة في العين "الإسرائيلية"، لكنّ القناعة "الإسرائيلية" بأنّ أوروبا تحولت إلى ثانوية فيما يتعلق بالصراع العربي-"الإسرائيلي"، رغم استمرار محاولاته في لعب دور مستقل"[25]، ورغم ذلك فإنّ التوصية بضمان استمرار العمل مع أوروبا مهم بالنسبة "لإسرائيل"، حيث أنّه دون الضغط الأوروبي، فإنّ الصراع سيفقد مؤثرين أساسيين، وفي ظل وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، قد تجد "إسرائيل" نفسها في خانة الدولة ثنائية القومية[26].

الأهمية الأكبر التي توليها "إسرائيل" لطبيعة العلاقة، هي المخاوف من اتساع ظاهرة معاداة "إسرائيل"، وافقادها الشرعية في الساحات المختلفة، حيث باتت ظاهرة اللاشرعية ضدها تأخذ مساحة كبيرة في الأوساط الاوروبية[27]، وتحديداً الشعبية منها.

هذه القضية باتت تؤرق "إسرائيل" بشكل كبير، لذلك فإنّ العمل "الإسرائيل" منصب باتجاه تقوية العلاقات مع أوروبا في اتجاه الحدّ من هذه الظاهرة، لأنّ ذلك في النهاية سينعكس على المواقف الأوروبية تجاه "إسرائيل"، والتي قد تأخذ الطابع الشعبي الذي بات من الواضح أنّه أكثر عدائية "لإسرائيل"[28]، رغم المواقف المتوازنة من قضية الصراع، وإن كانت لا تروق تلك المواقف للتوجه "الإسرائيلي"، الذي يُريد تبني أوروبا، وجهة النظر الأمريكية للنظام الجديد في البيت الأبيض.

الحفاظ على علاقات تجارية مُميزة، حيث أنّ التجارة الخارجية "لإسرائيل" ثُلثها مع الاتحاد الأوروبي، وتُعتبر "إسرائيل" الشريك 24 من حيث حجم التعاون التجاري بالنسبة لأوروبا، ويُسجل التعاون التجاري بين الطرفين، زيادة بنسبة 6.5% سنوياً[29].

ورغم حيوية التبادل التجاري والاقتصادي بين الطرفين، هناك تيارات تُطالب بضرورة البدء بعملية تقليل الاعتماد التجاري المُتبادل بين الطرفين، من منطلق أن تتخلص "إسرائيل" من الضغط الأوروبي عليها[30]، والنابع من اعتماد "إسرائيل" بشكل كبير على تلك العلاقات الاقتصادية، التي باتت تُستخدم ضدها في القضايا السياسية، وتحديداً في العلاقة المرتبطة بالصراع الفلسطيني-"الإسرائيلي".

الجانب الرابع والمهم من وجهة نظر "إسرائيل"، هو محاولة الحد ممّا تُسميه ارتفاع العداء لليهود في العالم بما في ذلك أوروبا، حيث وفق الأبحاث "الإسرائيلي" فإنّ ثلث اليهود في أوروبا يشعرون بالعداء، وترتفع النسب في بعض الدول إلى الثلثين، ففي فرنسا 63% من اليهود أشاروا بأنّهم تعرضوا لمضايقات كونهم يهوداً، كما أنّها في بريطانيا وإن كانت بنسب أقل، لكنّها تأخذ طابعا واضحاً خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي[31].

القناعة "الإسرائيلية" بأنّ اليهود هم الأكثر عرضة للعنصرية وللعداء في أوروبا، نابع من الشعور الأوروبي أنّ الأقليات اليهودية في أوروبا، ولاءها قليل للدول التي يعيشون فيها[32]، الأمر الذي يستدعي من الحكومة في "إسرائيل"، العمل باتجاهات مُختلفة للحفاظ على اليهود، وعلى علاقتهم مع "إسرائيل"، بما في ذلك رعاية ذلك مع الحكومات الاوروبية[33].

وهُنا يُمكن فهم المخاوف "الإسرائيلية"، في إطار أنّ الضغط على يهود أوروبا، قد ينعكس سلباً على هويتهم اليهودية وعلى دعمهم "لإسرائيل"، فغالبية من تبقى من اليهود في أوروبا يرفضون الهجرة "لإسرائيل"، لكنّهم في نفس الوقت لا زالوا ينظرون إليها بالعين الإيجابية، والمزيد من اضطهادهم أو الضغط عليهم، ربما يُساهم بترك توجهاتهم الداعمة "لإسرائيل"، كون ذلك أحد أسباب العنصرية ضدهم في الساحة الأوروبية.

مستقبل العلاقة بين الطرفين.

"إسرائيل" تبذل الكثير من الجهد من أجل الحفاظ على العلاقة مع أي دولة، والعمل على تحسينها، في ظل حقيقة أنّها دولة غير شرعية، وتُدرك النظرة العامة لها على أنّها دولة احتلال استيطاني، غير مرغوب بها، بشكل أساس على مستوى الشعوب.

لكن على المستوى الأوروبي، ترى "إسرائيل" أنّ أمل تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ليس من الممكن ضمن الظروف الموضوعية، خاصة أنّ للاتحاد الأوروبي نظرة نقدية للسلوك الإسرائيلي[34]، لكن ذلك لم يمنع "إسرائيل" من العمل على خلق علاقات مميزة على صعيد الدول الأوروبية كلّ على حدة، مثلما الحال مع اليونان وقبرص مؤخراً.

بالمجمل فإنّ "إسرائيل" ترى أنّ العلاقة مع الاتحاد الأوروبي ستأخذ المنحنيات التالية[35]:

  1. سيكون هنا المزيد من التأثر السلبي لعلاقات الطرفين، في ظل التباعد أيضاً ما بين الولايات المتحدة بقيادة ترامب، والعديد من العواصم الأوروبية ولهذا انعكاس سلبي أيضاُ على "إسرائيل".

  2. تحفظ الاتحاد الأوربي على صفقة القرن الخاصة بترامب، ستؤدي إلى تشويش مسار انطلاق الخطة، الأمر الذي سينعكس سلباً على تطبيقها، وعلى النظرة العالمية "لإسرائيل".

  3. العلاقات مع الاتحاد الأوربي، لن تشهد الوصول إلى حد فرض عقوبات اقتصادية على "إسرائيل"، كون ذلك القرار يحتاج إلى اجماع من دول الاتحاد، لكن فرص استمرار الهجوم من قبل جزء كبير من دول الاتحاد الأوربي هي التي ستميز المرحلة مستقبلاً.

  4. على المستوى الثقافي سيستمر التراجع في العلاقة بين البلدين، وستزداد الساحة الأوروبية في نظرتها السلبية "لإسرائيل" واليهود، الأمر الذي سينعكس سلباً على اليهود في دول الاتحاد الأوروبي.

  5. على المستوى الاقتصادي، حاجة "إسرائيل" للاتحاد الأوروبي كبيرة، وفي ظل التغييرات على الساحة الأوروبية والاتجاه نحو الداخل، فإنّ على "إسرائيل" البحث عن بدائل، ونقل الاعتماد الأكبر باتجاه دول شرق آسيا.

  6. خروج بريطانيا من الاتحاد، سيكون فرصة من أجل إعادة الترتيب معها بعيداً عن المواقف الاوروبية، الأمر الذي سينعكس ايجاباً على علاقات البلدين، كون بريطانيا هي الدول الأهم في أوروبا من ناحية الشراكة مع "إسرائيل"[36].


خلاصة الأمر، "إسرائيل" التي اعتمدت تاريخياً على الارتماء في أحضان الدول العظمى، وجدت نفسها رغم العلاقات الكبيرة مع أوروبا، في مسار تراجعي لهذه العلاقات، حيث باتت تواجه نقداً اوروبياً كبيراً، والتغيرات الحادثة في أوروبا، إلى جانب اختلاف وجهات النظر الأوروبية الأمريكية، سيكون لها المزيد من الانعكاس السلبي على "إسرائيل".

استنتاجات

يُمكن للفلسطينيين البناء على العلاقات الأوروبية-"الإسرائيلية الآخذة في التراجع، وتحقيق مسار لصالح القضية الفلسطينية، اعتماداً على المُعطيات التالية:

  1. لن يتحول الاتحاد الأوروبي إلى معادٍ "لإسرائيل"، لكن يُمكن البناء على حالة تراجع العلاقات لصالح القضية الفلسطينية. حيث على المستوى الشعبي الأوروبي، بات لذلك انعكاسات تصب في هذا الاتجاه.

  2. تراجع العلاقة بين الاتحاد الأوروبي، والقناعة لدوله الأعضاء بأنّ "إسرائيل" دولة تنتهك المواثيق والأعراف الإنسانية، يُساهم في استمرار فقدان "إسرائيل" شرعيتها على مستوى الشعوب، والذي قد ينعكس مستقبلاً على الحكومات.

  3. تراجع العلاقات ما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يُمكن البناء عليه في جعل الاتحاد الأوروبي أكثر دعماً للقضية الفلسطينية، ومن خلاله وأد المُنحنيات الأخيرة في توجه الولايات المتحدة و"إسرائيل"، خاصة ما ارتبط منها بصفقة القرن.

  4. المزيد من بناء جسور للعلاقة مع الشعوب الأوروبية له دور في المزيد من عزلة "إسرائيل"، حيث كان لوسم منتجات المستوطنات، وحركة المقاطعة دور سلبي على "إسرائيل"، خاصة من الناحية الثقافية.

  5. تفعيل دور الجاليات العربية والإسلامية، في دعم القضية الفلسطينية والتأثير ليس فقط على الأوروبيين، إنّما على يهود أوروبا، اللذين باتت لا تربطهم علاقات في "إسرائيل"، حيث بات جزء منهم يشعر أنّها عبء عليهم، وسبب في ملاحقتهم.


[1]  شالوم بارون. (2019). الشعب اليهودي قبل المحرقة وبعدها. كلية هرتسوغ. http://www.daat.ac.il/daat/kitveyet/mahanaim/haam-2.htm

[2]  يهودا باور. (2002). من زاوية أخرى. مجلة نظرة في قيام دولة إسرائيل. https://in.bgu.ac.il/bgi/iyunim/12/29.pdf

[3]  دان مكمن. (2002). من المحرقة لقيام الدولة. نظرة في قيام دولة إسرائيل. https://in.bgu.ac.il/bgi/iyunim/10/9.pdf

[4]  حايا ريجب. (1995). إقامة الدولة وسنواتها الأولى. المركز التكنولوجي (متاخ). تل ابيب.

[5]  دبار. (1955). ايدن مستعد لتنازلات على حساب إسرائيل. دبار. http://jpress.org.il/olive/apa/nli_heb/SharedView.Article.aspx?href=DAV/1955/11/11&id=Ar00101

[6]  موقع الجيش. (2020). حرب سيناء، التغطية الكاملة. موقع الجيش. https://www.idf.il/%D7%90%D7%AA%D7%A8%D7%99%D7%9D/%D7%94%D7%94%D7%99%D7%A1%D7%98%D7%95%D7%A8%D7%99%D7%94-%D7%A9%D7%9C-%D7%A6%D7%94%D7%9C/%D7%93%D7%A4%D7%99-%D7%9E%D7%9C%D7%97%D7%9E%D7%95%D7%AA/%D7%9E%D7%9C%D7%97%D7%9E%D7%AA-%D7%A1%D7%99%D7%A0%D7%99/

[7]  Zach Levey, “Britain and Israel, 1950-1967, The Strategic Dimension,” in Britain

and the Middle East. From Imperial Power to Junior Partner, Zach Levey and Elie

Podeh (eds.) (Brighton: Sussex Academic Press, 2008), pp. 96-98.

[8]  هانس فخلر. (2000). تغير الاحلاف، حرب حزيران 1967 وتأثيرها على الاحلاف في المنطقة. معهد دراسات الأمن القومي.

[9]  Guy Ziv, “Shimon Peres and the French-Israeli Alliance, 1954-9,” Journal of

Contemporary History, Vol. 45 (2) (2010): 406-429; Gadi Heimann, “From Friendship

to Patronage: France-Israel Relations, 1958-1967,” Diplomacy and Statecraft, Vol.

21 (2) (2010), p. 240.

[10]  هانس فخلر. (2000). تغير الاحلاف، حرب حزيران 1967 وتأثيرها على الاحلاف في المنطقة. معهد دراسات الأمن القومي.

[11]  نفس المرجع السابق.

[12]  اوهاد لسليبي. (2004). إسرائيل والاتحاد الأوروبي. المعهد الإسرائيلي للدمقراطية. https://www.idi.org.il/parliaments/9899/10718

[13]  عمونئيل جوفرا. (9.05.2018). 70 سنة توتر، علاقات الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. إسرائيل اليوم. https://www.israelhayom.co.il/opinion/554543

[14]  نفس المرجع السابق.

[15]  عمونائيل نابون. (8.7.2018). علاقات إسرائيل وأوروبا، نظرة للوراء ونظرة للأمام. مركز القدس للاستراتيجية والأمن. https://jiss.org.il/he/navon-israel-and-europe-looking-back-looking-ahead-2/

[16]  يوسف يسرائيل. (2.5.2019). غضب في هونغاريا: نقد ضد إسرائيل. القناة 13. https://13news.co.il/item/news/politics/state-policy/hungary-peterszijjarto-234031/

[17]  نفس المرجع السابق.

[18]  مايا شيوان. (15.02.2020). هاجم الاتحاد الأوروبي بسبب عدة مقاعد. واي نت. https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5678206,00.html

[19]  عوديد عيرن وشمعون شتاين. (2019). قيادة جديدة للاتحاد الأوروبي. بشرى جيدة أم مزيد من السوء للعلاقات مع إسرائيل. معهد دراسات الأمن القومي. https://www.inss.org.il/he/publication/a-new-leadership-at-the-european-union-a-chance-for-better-eu-ties-with-israel/?offset=5&posts=179&subject=19

[20]  يوتام روزنر وعيدي كنتور. (2018). الاتحاد الأوربي في عصر التقلبات. معهد دراسات الأمن القومي. https://www.inss.org.il/he/wp-content/uploads/sites/2/2018/05/Memo175EU.pdf

[21]  نفس المرجع السابق.

[22]  يوسف يسرائيل. (2.5.2019). غضب في هونغاريا: نقد ضد إسرائيل. القناة 13. https://13news.co.il/item/news/politics/state-policy/hungary-peterszijjarto-234031/

[23]  عرب 48. (18.05.2019). خريطة التحالفات الإسرائيلية الأوروبية. عرب 48.

[24]  نفس المرجع السابق.

[25]  Al,” Mideast on US replace could, Germany and France by headed, EU The, “Savir Uri .2017, 30 July, M

[26]  جلعاد شور. (2018). الاتحاد الأوروبي وحل الدولتين لشعبين، هل سيكون تغيير. معهد دراسات الأمن القومي. تل أبيب.

[27]  ميخال ختوال وروتم اورغ. (2018). أوروبا وحملة اللاشرعية ضد إسرائيل في العام 2017. معهد دراسات الأمن القومي. تل ابيب.

[28]  نفس المرجع السابق.

[29]  عيلي رتيج. (2018). قضايا في العلاقات الاقتصادية بين "إسرائيل" وأوروبا. معهد دراسات الأمن القومي. تل ابيب.

[30]  نفس المرجع السابق.

[31]   The,” finds report, media social by fuelled UK the in semitism-anti Rising, “Rudgard Olivia finds-report-media-social-fuelleduk-semitism-anti-rising/23/04/2017/news/uk.co.telegraph.www, 2017, 23 April, Telegraph.

[32]  عوديد عيرن. (2018). يهود أوروبا في عصر التقلبات. معهد دراسات الأمن القومي. تل ابيب.

[33]  نفس المرجع السابق.

[34]  مركز هرتسليا. (2019). مؤتمر هرتسليا 19، العلاقات مع أوروبا. مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية. https://www.idc.ac.il/he/research/ips/Documents/2019/Insights2019H-web1.pdf

[35]  عوديد عيرن وشمعون شتاين. (2019). إسرائيل وانتخابات الاتحاد الأوروبي، لا ربيع في العلاقات. معهد دراسات الأمن القومي.

[36]  هوديا كريش. (17.01.2020). بريطانيا هي الشريك الأكبر لإسرائيل من بين دول الاتحاد الأوروبي. https://www.makorrishon.co.il/news/197637/