مسلسل التطبيع والمفاهيم المغلوطة

جودت صيصان
13-10-2020



جودت صيصان

يبدو أن حلقات مسلسل التطبيع مع الاحتلال الصهيوني تُعرض تباعاَ حسب تعليمات المخرج الأمريكي والصهيوني للعديد من الأنظمة العربية. فلم يكن التطبيع أمراً مفاجئاً قد حل على الشعوب العربية، التي ترفض أي شكل من أشكال التطبيع جملة وتفصيلا، لكونها أحسّت منذ سكوت حكوماتها عن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للكيان، أنها أسيرة تحت رحمة أصحاب القرار السياسي.

ولهذا، فقد تبين للشعوب العربية موقف الحكومات، التي تسعى لمصالحها على حساب حقوق الشعب الفلسطيني لا بل على حقوق الشعوب العربية ذاتها، حيث تسير بعض الحكومات نحو الذرائع والحجج لركوب موجة التطبيع، في حين يضطر آخرون لركوب الموجة خوفاً على مصالحهم وعلاقاتهم مع الدول الكبرى الداعمة لهذا التطبيع.

- حفظ السيادة:

هناك حجة تلقى رواجاَ كبيراَ وتقول أن التطبيع " قرار سيادي " والحقيقة أنه لا يوجد أي مصلحة للدول الخليجيّة من هذا التطبيع، وحتى المصلحة المزعومة بحفظ السّيادة غير صحيحة، وعلى العكس تمامًا فالتطبيع فيه تهديد للسيادة، وأكبر دليل ما حدث بعد إعلان اتفاق الإمارات والكيان المحتل، إذ نفى (رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين،) نتنياهو جميع الأسباب التي قدّمتها الإمارات من تأجيل أو تعليق لعمليات الضّم في الضفّة الغربيّة.

- المصلحة الاقتصادية :

كما أن الحجج لم تقف عند هذا الحد، بل تعدتها إلى دعم مصالح البلدان العربية، والتي تعاني شكلا من أشكال التخلف أو التأخر في التطور أو النمو أو التقدم، وهذا ما جاء على لسان وزير خارجية البحرين، حينما قال إن التطبيع مع إسرائيل يمثل لنا بداية نحو التقدم، من خلال التعاون المشترك لدعم قطاعات الطاقة والاستثمار وغيره.

إنّ "حجّة الفائدة الاقتصاديّة تثبت وهنها، فتجربتيّ الأردن ومصر تؤكدان عدم استفادة أي من الدولتين من اتفاقهما مع إسرائيل

- جيران وشركاء :

هناك حجة أخرى يروّج لها المطبعون بقولهم أن الدولة الصهيونية ومواطنيها الإسرائيليين جيران لنا وشركاء في الوطن والحضارة ولا مجال لتجاهلهم ولا ينبغي للعداء السياسي ان يتحول إلى عداء عرقي.

والرد على هذه الذريعة أن العرب ليسوا هم الذين احتلوا بلاد غيرهم بل أن الصهاينة هم الذين أتوا لكي يسرقوها منا في عز النهار.

- الواقعية السياسية :
- لطالما سعى الاحتلال الاسرائيلي وحليفه الأمريكي إلى تكوين قوى سياسية واجتماعية وخلق اقتصاد عربي تابع وعاجز في الوقت نفسه عن دعم المجهود الحربي، وكذا خلق وعي شعبي ضد الحرب ومع السلام حتى لو كانت خلفياته انهزامية تطرح حججاً مثل أن مواجهة إسرائيل هي مواجهة للولايات المتحدة ومواجهة الأخيرة والانتصار عليها عملية مستحيلة.

يرى أصحاب هذه النظرة، بأن وجود دولة إسرائيل أمر واقع، ومحاولة مقاومة هذا الواقع “تهور” وذلك بسبب ما تحظى به هذه الدولة من دعم أمريكي ودولي في مقابل حالة الضعف والتفكك التي نمر بها نحن العرب، لذا علينا أن نتقبل وجود دولة الاحتلال كحالة دائمة أو (مؤقتة حتى نتمكن من بناء قوة عسكرية واقتصادية تؤهلنا للمواجهة مع المحتل).
ويأتي الرد على وجهين: أولاً، لا يدرك هؤلاء أن ما يظنوه واقعياً هو غير الواقعي، إذ لا يمكن أبداً أن تنشأ علاقة طبيعية بين المحتل ودولة تحت الاحتلال وشعب في الشتات، لأن ذلك يعني القبول بمعايير المحتل فيما يراه طبيعياً، فالحديث هنا ليس عن دولتين “ذات سيادة” نشأ بينهما صراع، ثم قررا إعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد زوال مسببات هذا الصراع؛ بل عن دولة تم إنشاؤها مكان شعب تم تهجيره، وكل ما تطمح إليه هذه الدولة هو الاعتراف بها وبشرعية وجودها، إذاً التطبيع في هذه الحالة لا يعني إقامة علاقات طبيعية، بل يعني منح الاحتلال المشروعية السياسية ليحقق أهدافه في الهيمنة ومحو كل ما يتعلق بهوية البلد المحتلة.
ثانياً: الواقعي والطبيعي هو أن تتم مقاومة المحتل بشتى الوسائل الممكنة، والحديث عن عدم جدوى المقاومة ينافي الواقع، فقد تمكنت المقاومة من تكبيد المحتل خسائر على كافة الأصعدة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، كما كانت وما زالت تضرب أمثلة بطولية في الصمود والمواجهة؛ حيث منعت آلة القتل الإسرائيلية من تحقيق أهدافها في جميع أشكال العدوان التي شنتها على غزة، والتي لم تستطع إجبار المقاومة على قبول تسويات مُذلة وفقاً لشروطها، بل حققت صواريخ المقاومة تقدماً نوعياً حين تمكنت من ضرب تل أبيب عدة مرات، على الرغم من كل ما تتعرض له من تضييق وملاحقة.

وبغض النظر عن شكل التطبيع واسمه سواء كان أكاديمياَ أو علمياَ أو رياضياَ أو ثقافياَ أو اقتصادياَ فإنه يمنح شرعيّة لهذا الكيان الغاصب ويدعم استمرار قمعه وسرقته وانتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني.