معادلة الردع المتغيرة، حدث الشمال نموذجاً.
عماد أبو عواد
28-07-2020
عماد أبو عواد
استطاع الكيان حتى العام 1973 تثبيت معادلة تفوق ردعي كبير لصالحه، بل يُمكن الجزم بأنّ الردع كان من طرفٍ واحد، إلى أن دخلت مصر حرب أكتوبر 1973، واستطاعت في بداية المعركة توجيه ضربات قاسية للاحتلال، قبل أن تكون النتائج السياسية ليس كما أرادها المصريون حينها.
معادلة الردع التي رسختها "إسرائيل" من خلال تثبيت مفهوم بأنّها الدولة التي لا تُهزم، وأنّ دخولها للمعركة يعني الوصول إلى حسم النتيجة لصالحها، لم تعد صالحة تحديداً في العقدين الأخيرين، مع ازدياد شوكة المقاومة قوّة، ومع اتضاح خفايا مكامن الضعف في الكيان، والتي تزداد وضوحاً وترسخاً بمرور الوقت.
حدث أمس في السمال، سواءً كان كما قالت "إسرائيل" أو لم يكن كما أشار حزب الله، فإنّ المعادلة الأهم هُنا هي قدرة الحزب على تثبيت معادلة مهمّة، أنّ "إسرائيل" الدولة الأولى تكنولوجياً في المنطقة، والتي انتصرت على دول عربية مجتمعة، باتت ترى بأنّ الخطر يأتي في سياق مواجهة تنظيمات ليست على شكل دولة، لكنّها أكثر كفاءة في إدارة المعركة.
بالعودة إلى أيام قليلة من اليوم، حاولت "إسرائيل" لملمة موضوع اغتيال القيادي في الحزب، وأين في الساحة السورية!، كان من الممكن "لإسرائيل" أن تقول بأنّ الساحة السورية مباحة لها، وهذا الواقع ضمنا في سياق سلوك الاحتلال هناك، وبأنّ استهدافها لمن يُشكلون خطراً عليها وفق رؤيتها، لكن أنّ ترسل برسائل بأنّ ذلك حدث بالخطأ، فهذا يعني أنّ مساحة الردع تتسع والمعادلة تتغير في غير صالح الاحتلال.
حيث أنّ محاولة "إسرائيل" التنصل ممّا قامت به يأتي في سياق مهم، بأنّ هذه الدولة لم تعد تحتمل وجود أيام قليلة من الحرب أو التصعيد الطويل، وهُنا جوهر عملية الردع. حيث أدركت المقاومة سواءً الفلسطينية أو اللبنانية، أنّ نقاط ضعف الكيان تكمن في عدم قدرته على تحمّل الاستنزاف، رغم الايمان المُطلق بأنّ القوّة المفرطة التي لديه من ناحية العتاد والتكنولوجيا، ربما تُمكنه من تدمير لبان كلّ لبنان في أيام، وغزة في أقل من ذلك، لكن السؤال، هل يحتمل أن تتلقى جبهته أياماً من القصف، ومقاومة تخترق ساحاته الداخلية؟.
هذا التساؤل يأخذ حيّزاً واسعاً من النقاش الداخلي، ففي ظل استطلاعات الرأي التي تُشير إلى عدم جاهزية الجبهة الداخلية للحروب[1]، وفي ظل تراجع الحافزية للتجنيد في الوحدات القتالية[2]، جاءت رؤية رئيس هيئة الأركان في دولة الاحتلال، والتي تقضي بضرورة أن تكون أي مواجهة حربية قصيرة جداً، وأن تؤخر "إسرائيل" الحرب إلى الحد الممكن، بمعنى أن تُجنب نفسها الحروب، وإن كانت فلا بدّ أن تكون قصيرة.
هُنا يتضح عُمق الردع المتبادل بين المقاومة و"إسرائيل"، حيث أنّ طبيعة المعادلة ليست مرتبطة بحجم الضرر الذي يُمكن الحاقه، بل بطول النفس الذي يتمتع به كلّ طرف، والقدرة على استخدام التكتيك بدرجة كبيرة، لتثبيت معادلات جديدةٍ في الصراع والمواجهة.
ويُمكن اجمال التغييرات التي طرأت على مفهوم الردع في نقاط محددة:
- لم تستطع "إسرائيل" منع وجود تهديدات أمنية، ولم تستطع اقناع العرب بأنّها دولة لا تُهزم، ربما نجحت على مستوى الأنظمة، لكنّها فشلت على مستوى تنظيمات المقاومة.
- الرغبة الحربية في تراجع مستمر لدى دولة الاحتلال، يُقابلها تصاعد كبير في هذه الروح لدى المُقاومة الفلسطينية واللبنانية.
- القدرة التدميرية لم تعد هي معيار تثبيت معادلات للردع، بل باتت قدرة الاحتمال لدى الجبهات الداخلية، وهُنا وفق الاستطلاعات النسبة متدنية جدّاً لدى الجمهور الصهيوني.
- إقرار "إسرائيل" بأنّ الردع بات مُتبادلاً، أدخل الصراع العربي-الصهيوني في سياق جديد، صاحب النفس الأطول، هو الأكثر قُدرة على تحقيق حسم النتيجة لصالحه في النهاية.
- أدخلت "إسرائيل" مؤخراً إلى نظريتها الأمنية بند الدفاع كبند رابع، بعد فشل النظرية القديمة، التي تم بناؤها على الردع، التحذير والحسم.
- حالة الرعب والخوف المستمرة، والتي باتت تستمر لأشهر طويلة من كلّ عام في الكيان، في ظل التوتر شبه الدائم مع قطاع غزة، ووجود توتر ما بين الفينة والأخرى على الجبهة الشمالية، تؤكد حضور الردع للمقاومة بشكل كبير.
- تأكيد "إسرائيل" من خلال قياداتها الأمنية والسياسية، وميل الجمهور الصهيوني إلى عدم ضرورة الحرب البرية، يؤكد انخفاض روح التضحية، حيث دون البرّ لا حسم للمعارك، واستبعاده من المعادلة، يعني إقرار "إسرائيلي" ضمني بأنّ حسم الحروب بات من الماضي.
تغيّر معادلات الردع بات يصب في صالح المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وهو غير مرتبط فقط بالقدرة التدميرية، فاذا كانت المقاومة تُحاول تجنب الحرب لتجنيب بلدها ما سيحل به من دمار، بفعل الآلة الحربية الصهيونية، فإنّ "إسرائيل" تتجنب المواجهة لما قد تُشكله من انهيار لجبهتها الداخلية، وعدم قدرة احتمال مشاهد القصف في عمقها، فغزة التي بدأت بقصف عسقلان، انهت آخر معاركها بقصف ما هو أبعد من تل ابيب، لتكون روح التضحية والقدرة على الاحتمال، هي العنصر الأهم في الردع المتغير، بتغير هذا العنصر.
[1] https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001279910
[2] https://www.inss.org.il/he/publication/combat-military-service-the-crisis-in-motivation/