معيقات إسرائيلية في وجه صفقة التبادل مع حماس

عماد أبو عواد
25-04-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

تقدير موقف

معيقات إسرائيلية في وجه صفقة التبادل مع حماس

عماد أبو عوّاد

 

بعد أقل من أربعة شهور من اليوم، سيكون قد مضى على أسر المقاومة الفلسطينية ثماني سنوات للجنديين "الإسرائيليين" هدار جولدين وشاؤول أرون، ومن بعدهما ابرا منغستو وهاشم السيد، وخلال الثمانية أعوام هذه ظلّ الحديث عن الصفقة المرتقبة، بين من يراها قريبة ووبين من يرى أنّها لا زالت بعيدة المنال.

في تقديرات موقف سابقة ذهبنا إلى أن الصفقة لا زالت بعيدة، ولعلّها لم تُفتح جدياً للنقاش ما بين الأطراف عن طريق الوسطاء، رغم أنّ الحديث الإعلامي قدّر في غير مرّة أنّ ذلك حدث، وسبب استبعاد حدوث اختراق في الملف مرتبط بالغوص فيه من وجهة النظر "الإسرائيلية" والتي لا زالت تضع الكثير من العقبات في وجهها. هذا التقدير يناقش أهم الأسباب التي تحول دون التقدم في الصفقة من الناحية "الإسرائيلية".

 

أولاً: تهيئة سلبية للشارع الإسرائيلي

منذ إتمام صفقة جلعاد شاليط والتي تم الإفراج فيها عن أكثر من 1000 فلسطيني، نصفهم تقريباً من الأحكام العالية، هناك ضخ سياسي، وأمني وإعلامي بأنّ على "إسرائيل" عدم الوقوع مرّة أخرى في صفقة تبادل من هذا النوع، فقد كانت الهزيمة هي عنوان تلك المرحلة، إلى جانب أنّ الثمن الذي تم دفعه من وجهة نظر الاحتلال كبير وخطير، الأمر الذي فتح شهية أعضاء الكنيست للبدء بتشريع قانون يمنع عقد صفقات تبادل تتضمن الإفراج عن أشخاص موجودين في السجن على خلفية قتل يهود، أو وفق التصنيف الإسرائيلي أسرى "ملطخة أيديهم بالدماء".

هذه التهيئة قادت إلى زيادة مساحة رفض الصفقات في الوعي الصهيـوني، الأمر الذي يتضح جلّياً من خلال التعبير السلبي لدى الشريحة الأكبر من المستوطنين حيال عقد صفقات التبادل، والتعامل بنوعٍ من اللامبالاة مع هذا الملف، واعتبار أنّ صفقات التبادل تعني المزيد من القتل لليهود، لذلك تم رفع شعار ليس بأي ثمن علينا عقد صفقات التبادل، وهذا ما تم ويتم ضخه إعلامياً ما بين الفينة والأخرى.

ثانياً: ضعف ضغط أهالي الجنود الأسرى

الأهل لهم الدور الأهم في إثارة قضايا أبنائهم الأســرى لدى المقاومة الفلسطينية، ولعلّ الذاكرة لا زالت تستحضر الدور الكبير لأهالي جثث الجنود التي كانت بيد حزب الله، واجتماعاتهم المتكررة مع ايهود أولمرت الذي شغل منصب رئاسة الوزراء، والظهور الإعلامي المكثف والحضور الجماهيري اللافت، والاعتصام والاحتجاج أمام مؤسسة رئاسة الوزراء والكنيست، الأمر الذي جعل القضية فعّالة وبشكل مستمر.

هذه الحالة تغيب عن أهالي هدار جولدين وشاؤول أرون، عدا عن بعض الظهور الخفيف الباهت، وبعض التقارير الإنسانية، فالحقيقة أنّهم يتساوقون تماماً مع الرغبة الحكومية بإماتة الملف، والأهم من ذلك تبنيهم لرواية أنّ أبناءهم جُثث محتجزة، في إشارة إلى عدم قدرتهم على تحريك الملف من جانب، وخوفهم من ضغط الجمهور الإسرائيلي السلبي عليهم من جانب آخر.

 

ثالثاً: نجاح المؤسسة الإسرائيلية في إقناع جمهورها بمقتل الجنود

منذ الأيام الأولى لأسر الجنود لدى المقاومة فإنّ المؤسسة الأمنية والسياسية أكدت مقتل الجنود لدى المقاومة، وخرجت الفتاوى الدينية المبنية على معلومات التشريح الطبي وأعلنت مقتل هدار وشاؤول، وأجريت مراسم دفن رمزية وبيوت عزاء للجنود، وتعاملت المؤسسة الصهيونية ككل منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا على أنّ ما لدى المقاومة هم جُثث، لا بل وتحتجز جثامين الشهداء الفلسطينيين اليوم تحت عنوان، أعيدوا جثث شاؤول وهدار لنتوقف عن احتجاز جثامين الشهداء.

التأكيدات منذ اللحظة الأولى، والتأكيد عليها، رسّخ فكرة مقتل الجنود ليس فقط لدى المؤسستين الأمنية والسياسية بغض النظر عن معلوماتهم الحقيقية عن ذلك، بل لدى الشريحة الأكبر من الجمهور الإسرائيلي وهو الأمر الذي لا زال يقود إلى غض النظر عن الملف، ومن المؤلم القول تناسيه شيئاً فشيئاً، وغيابه عن دائرة الاهتمام الجماهيري.

رابعاً: ضعف الحكومة الإسرائيلية وعدم استقرارها.

من أهم الأسباب التي تؤجل وربما تُغيب ملف التبادل من على سطح النقاش الحكومي الصهيوني هو ضعف الحكومات المتعاقبة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وعدم الاستقرار في ظل الخلافات الداخلية الحالية، والتشرذمات ما بين "تيار نتنياهو" و"تيار لا نريد نتنياهو"، الأمر الذي يدفع الحكومات للتركيز على الخلافات الداخلية والحرص على استقرار الحكومة وعدم البحث عن ملفات ربما تؤدي إلى افتعال إشكاليات داخلها.

فعلى سبيل المثال منذ العام 2015 والحكومات الصهيونية تُعاني عدم الاستقرار، حكومة نتنياهو في ذلك الوقت لم تمتلك في أفضل أحوالها سوى 66 عضو كنيست واستقر العدد على 61 في غالبية الفترة، وبعد انتهاء ولايتها بدأت سلسلة الانتخابات وعدم الاستقرار، والذي بات يدفع القيادات الصهيونية لعدم المجازفة بفتح هذا الملف، والذي لم يعد يُعد إنجازًا للقائم عليه بل فشلاً ذريعاً.

خامساً: ضعف الضغط المعارض للحكومة

غياب الضغط من المستويات المختلفة بما في ذلك المعارضة الإسرائيلية، هو الآخر يدفع باتجاه تأجيل الملف، فالمعارضة تستطيع فرض أجندات معينة على الحكومة. هذا الملف تحديداً يغيب هو الآخر من أروقة المعارضة، وكذلك عن سطح مكتب الشخصيات المؤثرة كالأمنيين السابقين أو الخبراء والاستراتيجيين، في سياق يُظهر الأمر على أنّه قنبلة موقوتة للحاكم والمعارض.

سادساً: إدارة الظهر للمعلومة

تنتهج المقاومة في استراتيجيتها التفاوضية حول الملف بأنّ تجعل للمعلومة ثمنًا. في المقابل المعلومة بالنسبة "لإسرائيل" هي نوع من العبء الذي لا تحتاجه وليس من أولوياتها، طالما أنها أقنعت جمهورها بأنّ ما لدى المقاومة جُثث، وبالتالي فإنّ المعلومة المقرونة بثمن ليست في وارد الاحتلال، فسواءً كانت المعلومة بموتهم؛ فإنّها بعدها ستضطر لدفع ثمن لجلب جثثهم كون المرحلة بدأت، أم كانت المعلومة بحياة أحدهما أو كليهما، فإنّ ذلك يُعد ضربة قاسمة للحكومات المتعاقبة ومدعاة لدفع ثمن باهظ، وتحريك الملف بشكل مُستعجل وهذا ما لا تريده "إسرائيل".

ومن ثم فالمعلومة ليست ذات أولوية عند الاحتلال، بل وفق سلوكه يشعر بالارتياح الكبير لسياسة المقاومة في هذا الملف، لأنّ القناعة تترسخ وتزداد لديه ولدى جمهوره أنّ جنودهم قتلى وليسوا على قيد الحياة، الأمر الذي يُبعد عنه الضغط في هذا الملف، خاصة في ظل غيابه عن المشهد غالبية أيام السنة.

سابعاً: من بحاجة للصفقة أكثر

السؤال المركزي هنا، وربما إجابته مباشرة وبشكل سريع فإنّ حماس أكثر حاجة للصفقة من "إسرائيل"، فأي صفقة ستكون إنجازًا للمقاومة وخيبة للاحتلال، هذا يُضاف إلى جانب حقيقة أنّ للفلسطينيين آلاف الأسرى في السجون الصهيونية، مئات منهم اجتازوا العشر سنوات، وآخرون تجاوزا العشرين والثلاثين عامًا لا بل والأربعين.

لذلك فإنّ العقلية الإسرائيلية تعي ذلك تماماً، وتعي أنّ بقاء ملف الأسرى دون تحريك هو عامل ضاغط على المقاومة وليس العكس، وربما بقاء الوضع الراهن على حاله هو الأفضل بالنسبة للاحتلال. فأهالي آلاف الأسرى الفلسطينيين يتلوعون لرؤية أبنائهم واحتضانهم بعد عقود من الأسر، أما وأن جنود الاحتلال قتلى كما روجت "إسرائيل"، فذاك عنصر غير ضاغط على "إسرائيل".

ثامناً: تغييب الموضوع إعلامياً

الإعلام في دولة الاحتلال مؤسسة ذات ثقل وتأثير كبير، والقضايا التي تستقر وتتكرر في المشهد الإعلامي غالباً ما تلفت انتباه الجمهور والسياسي، فنسبة متابعة النشرات الإخبارية مساء وعلى القنوات الأساسية تصل إلى حدود 30% وتقفز إلى 50% وقت الأحداث الأمنية أو السياسية الكبيرة.

من هُنا وفي ظل حقيقة أنّ الاعلام موجه بشكل كبير من المؤسسة الأمنية ويخضع لرقابتها الكبيرة، فإنّ السلوك الإعلامي يتساوق تمامًا مع هذه الفكرة التي تريد تغييب الملف عن المشهد، وبالتالي خدمة المستوى السياسي والأمني بعدم جعلهم تحت ضغط هذا الملف.

 

خلاصة

يبقى ملف الاسرى أحد أهم الملفات الساخنة فلسطينياً، فقد قدم الفلسطينيون أثمانًا باهظة لنيل حرية جزء كبير منهم، فعانت غزة الحصار وقدمت مئات الشهداء للاحتفاظ بشاليط وإنجاز صفقة تبادل مهمة، باتت أيقونة من أيقونات النصر الفلسطيني.

والأمل لا يزال معقودًا بالوصول إلى صفقة أخرى بذات الوزن والقيمة، لكن ما يُمكن قوله إنّ الملف ليس ضاغطًا إلى الآن على دولة الاحتلال، والتي تتعامل بأريحية مطلقة دون ضغط ولو بالحد الأدنى، الأمر الذي يجعلها تُدير الظهر منذ ثماني سنوات وربما تستمر بذات النهج لسنوات أخرى.