معيقات في طريق التهدئة

معتصم سمارة
11-08-2018
كتب: معتصم سمارة\ مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

يكاد يجمع المراقبون أن الأمور على الساحة الفلسطينية وصلت الى نقطة يجب أن تحسم، امّا الذهاب الى مواجهة شاملة مع الاحتلال، واما الخروج باتفاق يحل معظم او جميع المسائل العالقة في قطاع غزة، وعلى ما يبدو ورغم الجهود الجادة المبذولة من عدة أطراف، بهدف الوصول الى اتفاق، ما زال هناك عدة عوامل وعقبات تمنع الوصول الى مثل ذلك الاتفاق، الامر الذي قد يدفع الى مواجهة شاملة او تصعيد أكبر من المعتاد، لحين نضوج الظروف التي تقود الى تفاهمات بين طرفين.

لقد جرب الكيان الصهيوني خلال أكثر من عقد هو وحلفاؤه، أكثر من وسيلة وأسلوب ضد حماس وقوى المقاومة، في قطاع غزة، بهدف تحييدها واخراجها من المشهد دون جدوى، أو إضعافها، فقد استخدمت "اسرائيل" العمل العسكري في اقصى وأعنف اشكاله خلال 3 حروب، الى جانب الحصار والخناق الاقتصادي على سكان القطاع، اضافة الى المحاولات المستمرة لنزع الشرعية عن الحكم في القطاع، واخيرا وليس اخرا محاولات سلخ فصائل المقاومة عن القوى الدولية والعربية المساندة لها بهدف الاستفراد بغزة وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.

وقد بات واضحاً بعد مسيرات العودة وجولات التصعيد التي رافقتها، ان الطرفان مقتنعان بضرورة التوصل الى تفاهمات تضمن استمرار الهدوء، وحل الاشكالات العالقة لسنوات عديدة قادمة على الاقل، حيث لم يعد الكثير في جعبة كلاهما ليقدموه في ساحة المواجهة قبل الوصول الى المعركة الكبرى والشاملة، والتي لا يريدها الطرفان فما الذي يمنع الوصول الى اتفاق.

لكن في ظل هذه المعادلة، تبرز الكثير من المعيقات التي قد تؤخر التوصل إلى تهدئة، تقود إلى ربما هدوء شامل في المستقبل.

أولى هذه المعيقات، مواصلة حركة حماس منذ أربع أعوام أسر اربع جنود صهاينة لا يعرف أحد مصيرهم، وقد حاولت اسرائيل مرارا عبر كثير من الوسطاء الحصول على معلومات عنهم، دون جدوى في ظل اصرار حماس على اطلاق سراح اسرى صفقة وفاء الاحرار الذين اعيد اعتقالهم عقب أسر المستوطنون الثلاثة في الخليل عام 2014 ، كشرط لبدأ مفاوضات أي صفقة تبادل قادمة.

هذه النقطة بالذات ليس من السهل تجاوزها في طريق الوصول لاتفاق بين الطرفين، فغالبية وزراء الليكود كما وزراء اليمين في الائتلاف الحاكم يرون التوصل الى اتفاق مع حماس دون حل قضية الجنود الاسرى، هو اكثر من تنازل بل هو خضوع لحماس والاعتراف بحكمها على القطاع، واخراجها بمظهر المنتصر الحقيقي، خاصة في ظل ادارة امريكية داعمة لكل ما يريده اليمين في اسرائيل، وفي ظل تهافت عربي غير مسبوق للتطبيع معها سواء بالعلن او بالخفاء.

قضية اخرى لا تقل اهمية عن سابقتها تقف عائق امام الاتفاق وهي سلاح المقاومة، فإسرائيل تريد ضمانات اكيدة بين الفصائل في غزة، ومن رعاة الاتفاق ان تتوقف المقاومة عن تطوير منظومة السلاح وعن حفر الانفاق، يسبق ذلك التوقف التام لظاهرة الطائرات الورقية وما رافق مسيرات العودة من اختراق السياج العنصري، بينما ترفض فصائل المقاومة الحديث عن سلاحها قبل رفع الحصار وانهاء معاناة القطاع، على اعتباره حق اساسي وانساني دون المساس بسلاح المقاومة، الذي ترى فيه الرادع الوحيد لغطرسة اسرائيل وعدوانها في المستقبل، وهي المعروفة مرارا بنقض الاتفاقات والمواثيق، كما ان فصائل المقاومة ترى ان امتلاكها لهذا السلاح وتطويره هو حق طبيعي لشعب يعيش تحت الاحتلال ويسعى للانعتاق والتحرر، من جهتها اسرائيل تريد من هذا الاتفاق ان يحقق لها ما لم تستطع تحقيقه بقوة السلاح والحصار مستعينة بحلفائها في المنطقة وبالإدارة الامريكية.

في ظل هذه المعادلة يبدو نتنياهو في موقف لا يحسد عليه وهو الذي لا يريد الذهاب الى مواجهة شاملة غير مضمونة النتائج، ينصحه قادة جيشه بتجنبها بينما يحاول وزراء المستوطنين العطشى للدم الفلسطيني دفعه اليها، ويتهمه آخرون بالجبن والضعف امام حماس، وفي الجهة المقابلة تستند حماس الى رغبة دولية بضرورة رفع الحصار وحل ازمات القطاع، والى جو شعبي داعم للمقاومة ومسيرات العودة ولكنها تقف امام الحاجة الملحّة لإنهاء الحصار ومسؤوليتها الاخلاقية في ذلك امام جماهيرها وسكان القطاع عامة، والى حين توصل الاطراف الى تفاهمات في هذه القضايا بالذات ونقاط اخرى عالقة سيبقى الجو مشحونا ومرشحا للتصعيد عند كل حدث.