من حق غزة أن تخلع شوكها بيدها

عماد أبو عواد
21-04-2018
كتب: عماد أبو عوّاد  * مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

منذ أن وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة، كانت الترجيحات باتجاهين، الأول أنّ الرجل سيعمل ضمن سياسة سحب الولايات المتحدة رويداً رويداً من تشاباكات المنطقة، بحيث يقل الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، فيما الترجيح الثاني تمحور حول نية ترامب إعادة الثقل الأمريكي، للعب دور أكبر على ساحات عالمية متنوعة منها الشرق الأوسط.

صدق الترجيح الثاني، حيث باتت الولايات المتحدة، أكثر اتجاهاً لترسيخ دورها في الملفات المنوعة وتحديدا الإقليمية منها، وبات من الواضح أن سياسة ترامب، تريد حرق المراحل، وتحقيق مكاسب عملية على الأرض، بصورة متسارعة، من خلال تغيير وجه المنطقة، بالطريقة الأسرع، والأكثر تناسباً، مع المصالح الأمريكية، وربيبتها في المنطقة "إسرائيل".

ولعلّ أبرز المخططات التي باتت تعمل عليها الولايات المتحدة، ما يُعرف باسم صفقة القرن، وإن كان البعض يُشكك بوجودها، وآخرون يعتقدون أنّه تم المبالغة في تقدير أبعادها وأخطارها، إلّا أنّ الواقع على الأرض يُشير بما لا يدع مجالاً للشك، أنّنا بتنا أمام تيار يريد تغييراً سريعاً، وبالنظر إلى سرعة الحراك، وطبيعة التغيير الذي اعترى بعض الأنظمة، سواءً في المواقف، أو التغييرات التي باتت تُصنع في داخلها، يُمكن الجزم أنّ ما نُشر عن طبيعة هذه الصفقة، بات أقرب إلى الحقيقة.

فيما يتعلق بالشق الفلسطيني من صفقة القرن، ومحاولة جعل غزة الوطن البديل للفلسطينيين، وتوسيع مساحة أراضيها باتجاه سيناء، وتحويل الضفة لمجرد إدارة محلية، دون وجود نوايا حقيقية لقلبها لدولة، أو حتى دويلة، مع استعداد واضح من قبل اليمين الإسرائيلي لضمها في المستقبل، في حال انهارت السلطة أو تخلت عن إدارة المناطق المحتلة في الضفة الغربية.

بدأ التمهيد لصفقة القرن فلسطينياً، بثلاث اركان متوازية، الأول كان بالعمل على تجييش بعض الأنظمة العربية، للضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بها، الثاني من خلال التضييق على اللاجئين الفلسطينيين، في دول الجوار، كسوريا ولبنان، والثالث وهو الأهم والأخطر، تشديد الخنق على غزة، وتمتين حصارها، ولكل طرف محاصر مآرب مختلفة من دوره في الحصار على القطاع.

فالسلطة الفلسطينية تُشدد من حصارها بهدف استعادة غزة، وفق تصورها لتكون تحت حكمها، وتأتمر بأمرها، كما كانت عليه الأحوال قبل أحداث صيف 2007، فيما تشديد الخناق المصري، وكذلك الإسرائيلي على القطاع، من الواضح أنّ أهدافه أبعد من ذلك بكثير، ولا يخفى على أحد أنّ "إسرائيل" باتت ترفع الصوت عالياً، بضرورة إيجاد حلول منفردة للقطاع، الأمر الذي باتت مصر جزءاً من تطبيقه على الأرض.

فـ "إسرائيل" لم تخف مؤخراُ عدم رغبتها في خوض حرب مع غزة، بل اعتبر ذلك كلّ من عضو لجنة الخارجية والأمن، عوفر شلخ، وكذلك وزير المواصلات يسرائيل كاتس، أمراُ زائداً لا حاجة فيه، في ظل استبعاد "إسرائيل"، أن تستطيع السلطة استلام غزة، وفق الأجندة التي طرحتها، والتي تشمل تسليم سلاح المقاومة.

من هنا فإنّ السياسة القائمة حالياُ، هي زيادة خنق القطاع، من أجل دفعه للتفكير بإيجاد حلول، ذات علاقة بغزة وسكانها فقط، بمعنى أن يكون هناك فصل ما بين المسارين المرتبطين ببعضهما الضفة الغربية وغزة، ويُمكن الإضافة الى ذلك، أنّ "إسرائيل" باتت تتعامل مع غزة، وسكانها، خارج حسبة فلسطين التاريخية، بمعنى أنّ "تل ابيب" لا تعتبر أنّ غزة، وسكانها يُشكلون خطراً من الناحية الديمغرافية، وقد اتضح هذا الصوت مؤخراً، عندما ظهرت بعض الأصوات الإسرائيلية التي تُخوّف من الخطر الديموغرافي، لتقلل الحكومة الإسرائيلية من هذه المخاوف، باعتبار أنّ غزة، ليست ذات صلة بالموضوع.

أمام سياسة الخنق المتبعة من أطراف متنوعة، يرى مركز القدس أنّ هذا يُساهم بشكل مباشر في تطبيق صفقة القرن، التي ترفضها الأطراف العربية، على الأقل علناً، حيث لا يُمكن التغاضي عن جراح غزة، ولا يُمكن لومها إن فكرت خارج الصندوق وذهبت باتجاه إيجاد حلول مرتبطة بالقطاع، تتضمن رفع الحصار، وإيجاد بنية مستقلة، تجعل من غزة ذات قدرة على إيجاد المتطلبات الأساسية لأبنائها.

وإن كانت غزة، استطاعت تحويل البوصلة نحو الداخل المحتل، وأعادت للقضية هيبتها، وأعادت للاجئين مركزيتهم، وإن كانت وبلا شك تحمّل الهمّ العام، وباتت القلب النابض الذي يحمل وجع شعبه أينما وُجد، فإنّ السؤال الأهم، أليس من حق غزة، أن تخلع شوكها بيدها، وتعمل على إيجاد حلول للوضع المأساوي للقطاع، بما يحفظ عدم المساس بمقاومتها، وبقاءها حصينة منيعة من الكسر.