من زاوية أخرى: حرب لبنان الأولى 1982 في العين الصهيونية

عماد أبو عواد
11-04-2020



عماد أبو عوّاد\ مركز القدس

تُطلق “اسرائيل” على هذه الحرب اسم، عملية سلام الجليل، والتي جاءت على خلفية استمرار العمليات الفلسطينية من الساحة اللبنانية، خلال سنوات السبعينات أوائل الثمانينات، ولكن وفقها فإنّ السبب المباشر للحرب، عندما 1982 حاولت جماعة "إرهابية" بقيادة ابو نضال في حزيران يونيو 1982 اغتيال سفير “اسرائيل” لدى بريطانيا شْلومو أرْغوف والذي أصيب بجروح، وردًا على ذلك شن جيش الدفاع "الإسرائيلي" هجومًا آخر على لبنان وتمكّن من تحقيق هدفه الأصلي أي القضاء على قواعد المخربين في جنوب لبنان. وتم لاحقًا توسيع رقعة العملية لتشمل احتلال بيروت مما شكّل نقطة تحول العملية إلى حرب طويلة مستمرّة. وأخفقت الحرب في تحقيق هدفها الرئيسي. وتمّ توقيع معاهدة سلام مع لبنان ولكنّه لم يتم إقرارها بسبب ضعف الحكومة اللبنانية وقتها[1].

وقد شاركت سوريا في الحرب لفترة قصيرة (11-7 من حزيران يونيو 1982)، ليس في هضبة الجولان حيث تم التقيد باتفاقية فصل القوات بحذافيرها، وإنما في لبنان نفسه حيث كان لسوريا تواجد عسكري ملحوظ. ولم تتقدم المعارك البرية ضد القوات السورية بشكل جيّد بالنسبة لجيش الدفاع الذي دفع ثمنًا باهظًا في مساعيه لشلّ القوات السورية وقطع الطريق السريع بين بيروت ودمشق. وخلافًا لذلك، تم في المعارك الجوية تدمير 14 بطارية صواريخ من طراز sam 2,3,6 روسية الصنع من أصل 19 بطارية كان السوريون قد نصبوها في لبنان، ولحقت أضرار بأربع بطاريات أخرى. وفقد سلاح الجو السوري والذي تم قطع الدعم البرّي عنه، 29 طائرة مقاتلة من طراز ميغ خلال يوم واحد. وكان هذا أعنف قتال دار بين الجانبين حتى ذلك الحين إذ شاركت فيه مئتا طائرة لكلا الجانبين كانت تقاتل في مجال جوي محدود جدًا. وكان سلاح الجو يدير هذا القتال بناء على العبر التي استُخلِصت من حرب يوم الغفران من خلال الدمج بين التدريب والتزويد بالعتاد العسكري ومبادئ التخطيط والسيطرة والمفاجأة والإبداعية. واستخدمت “اسرائيل” في القتال وسائل إلكترونية سرية ولذلك يمكن القول إنّ الحرب كانت حربًا إلكترونية[2].

العملية “الاسرائيلية” سارت بسرعة كبيرة في البداية، حيث في اليوم الأول قطع الجيش مسافة 27 كيلو متر في الأراضي اللبنانية، وفي الثامن من حزيران كان هناك مواجهات قوّية بين الفلسطينيين و”اسرائيل” في مدينتي صور وصيدون، كما شارك في اليوم التالي 150 طائرة في مساندة القوّات البرية، اسقطت الطائرات “الاسرائيلية” خلالها 47 طائرة سورية[3].

معركة السلطان يعقوب، كانت من أهم المعارك في العين الإسرائيلية، حيث خسرت فيها “اسرائيل” 20 جندياً في معركة استمرت ثمانية ساعات مقابل القوّات السورية، وفقدت ستة آخرين[4]. في الثالث عشر من حزيران وصل الجيش إلى بيروت، التي خضعت لحصاره، بعد أن فقد 368 جندياً وقتل ألفاُ من المقاومة الفلسطينية، وأسر 6000 آخرين[5].

وقد استمر قصف بيروت وحصارها طويلاً، وفي 10 آب/أغسطس وافقت “اسرائيل” على مشروع للموفد الأميركي فيليب حبيب لإخراج الفدائيين والسوريين من بيروت وكل لبنان وطالبت بأن تسلم رسمياً قائمة أسماء الدول التي ستستقبلهم وأعداد الفدائيين المغادرين وجثث 9 جنود إسرائيليين دفنوا في بيروت خلال حرب 1978.

ولما عجزت الولايات المتحدة عن وقف القصف "الإسرائيلي" للبنان، حذر الرئيس الأمريكي “اسرائيل” بأن الولايات المتحدة ستنفض يدها من المفاوضات إذا واصلت غاراتها على بيروت. وأعلنت “اسرائيل” قبولها بوقف إطلاق النار[6]

وفي 20 آب/ أغسطس انسحبت “اسرائيل” من مرفأ بيروت ومحيطه وتسلمها الجيش اللبناني، وأعلن الرئيس الأمريكي ريغان موافقته على إرسال قوة اميركية إلى لبنان للمشاركة في إطار القوة المتعددة الجنسيات في الإشراف على خروج الفدائيين الفلسطينيين من بيروت، لكنّ “اسرائيل” اعادت اجتياح بيروت الغربية بعد مقتل بشير الجميل، الذي كان يرى فيه شارون بأنّه بوابة السلام مع لبنان[7].

مجزرة صبرا وشاتيلا كانت مفترق الطرق وفق "إسرائيل"، فإنّ مقتل بشير الجميل، دفعها لمنح اذن للكتائب اللبنانية المسيحية لتنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا، الأمر الذي أثار غضب دولي انتهى بانسحاب “اسرائيل” من بيروت، وتشكيل لجنة حكومية "إسرائيلية" ألزمت ارئيل شارون وزير الدفاع حينها بالاستقالة[8]. خسرت “اسرائيل” بعدها الكثير من الجنود قتلى في لبنان، وأدت الحرب إلى خلخلة سياسية كبيرة في "إسرائيل".

حيث أنّ عجز عملية سلامة الجليل عن تحقيق هدفها دفع بحكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها في 1984 إلى الانسحاب من لبنان. وبقيت في لبنان قوة رمزية بهدف مساعدة سكان الجنوب اللبناني في مراقبة المنطقة الأمنية، وهي شريط حدودي ضيق بمحاذاة الحدود مع “اسرائيل” كان حيويًا لتوفير الأمن للتجمعات السكنية في “اسرائيل” والتي يقع بعضها بالقرب من الحدود[9].

ووفق المؤرخين الإسرائيليين، فإنّ لحرب لبنان الأولى نتائج في الغالب كانت سلبية ويُمكن حصرها في النقاط التالية[10]:

  1. ساهمت الحرب بالقضاء على المقاومة الفلسطينية في لبنان وتوجيه ضربة قوّية لسورية.

  2. ساهمت الحرب في اضعاف الحزب الشيعي المعتدل أمل، وظهر بمكانه قوّة جديدة، حزب الله، الذي تمكن من خوض معارك ضارية ضد إسرائيل.

  3. الحرب التي قتل فيها 1216 حتى العام 2000، شهدت لأول مرة رفض فرقة إسرائيلية بقيادة ايلي جيبع تنفيذ أوامر قياداتها، ما عرف باسم التمرد.

  4. تراجع الثقة في القيادة السياسية والعسكرية “الاسرائيلية” وصل إلى ذروته.

  5. الحرب مثلت انكسار في الثقافة الجماهيرية “الاسرائيلية” حتى اليوم.





[1]  وزارة الخارجية. (2019). عملية سلامة الجليل (1982). موقع وزارة الخارجية الإسرائيلي.

[2]  نفس المرجع السابق.

[3]  يريب بيلج. (2013). حرب سلام الجليل، مرحلة تلو الأخرى. ماكو. https://www.mako.co.il/pzm-israel-wars/1982-lebanon-war/Article-64253fbf362e041006.htm?sCh=e9dcc4ee677cf310&pId=1600098652

[4]  نفس المرجع الأسبق.

[5]  لترون. (2019). سلاح المدرعات في حرب لبنان الأولى. بارك لترون. https://yadlashiryon.com/armor_wars/the-war-on-the-galil/

[6]  نفس المرجع السابق.

[7]  يريب بيلج. (2013). حرب سلام الجليل، مرحلة تلو الأخرى. ماكو. https://www.mako.co.il/pzm-israel-wars/1982-lebanon-war/Article-64253fbf362e041006.htm?sCh=e9dcc4ee677cf310&pId=1600098652

[8]  عوفير ادرات. (21.09.2012). 30 عام على مجزرة صبرا وشاتيلا، لا زالت المعطيات مخفية عن الجمهور. هآرتس. https://www.haaretz.co.il/hblocked?returnTo=https%3A%2F%2Fwww.haaretz.co.il%2Fnews%2Fpolitics%2F1.1825136

[9]  وزارة الخارجية. مرجع سابق.

[10]  يريب بيلج. (2013). حرب سلام الجليل، مرحلة تلو الأخرى. ماكو. https://www.mako.co.il/pzm-israel-wars/1982-lebanon-war/Article-64253fbf362e041006.htm?sCh=e9dcc4ee677cf310&pId=1600098652