من زاوية أخرى: حرب لبنان الثانية.. في العين الصهيونية

عماد أبو عواد
14-04-2020



عماد أبو عوّاد\ مركز القدس

حرب لبنان الثانية، والتي لا تزال رحى النقاش فيها إلى اليوم جارية، كانت من أهم المحطات التي واجهن إسرائيل، حيث كان حزب الله وفق “اسرائيل” بعد انسحاب جيش الدفاع “الاسرائيلي” من لبنان سنة 2000 وإعادة انتشاره على امتداد الخط الأزرق بما يتفق مع قرارات الأمم المتحدة، قد استمر في اتخاذ موقفه العدواني والاستفزازي. وشمل هذا الموقف محاولات لاختطاف جنود إسرائيليين فضلا عن ارتكاب اعتداء على المدنيين الإسرائيليين في شمال البلاد[1].

حيث في 12 يوليو تموز من عام 2006 تسللت مجموعة من حزب الله إلى الأراضي “الاسرائيلية” لتهاجم دورية تابعة للجيش الإسرائيلي، وخلال هذا الاعتداء وما تبعه من محاولة لإنقاذ جنديين إسرائيليين مخطوفين قتل ثمانية جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي. ولم تتم إعادة جثماني الجنديين المخطوفين الوكيل الاحتياط إيهود غولدفاسر والرقيب أول الاحتياط إلداد ريغف إلا بعد سنتين، في يوم 16 من يوليو تموز 2008. وردا على الاعتداء استهدف جيش الدفاع “الاسرائيلي” مقر حزب الله في لبنان ومطار بيروت الدولي، وفرض حصارا جويا وبحريا على لبنان أتبعه بهجوم بري على جنوب لبنان[2]

وطوال الحرب التي استمرت من 12 يوليو تموز حتى 14 أغسطس آب استهدف حزب الله وبصورة متعمدة السكان الإسرائيليين من خلال إطلاق ما يزيد عن 4000 صاروخ على المناطق المأهولة بكثافة، مما أسفر عن مقتل 44 شخصا وجرح ما يزيد على 600 شخص آخر. وقتل في تلك الحرب 121 جنديا إسرائيليا وجرح 450 آخرين. وقد اعتمد حزب الله على ترسانة كبيرة من الأسلحة احتوت على أكثر من 1000 صاروخ بعيد المدى وأكثر من 13,000 صاروخ قصير المدى بالإضافة إلى وحدات جوية وبحرية وقوات برية لحرب العصابات مزودة بالأسلحة المضادة للدبابات[3].

وتضمن رد الجيش “الاسرائيلي” نشر ما يقارب ال 10,000 جندي في لبنان وتنفيذ 18,800 طلعة جوية وإطلاق ما يزيد عن 120,000 قذيفة مدفع وإطلاق النيران من البحر. وقتل ما يزيد عن 600 من أفراد حزب الله ولحقت أضرار كبيرة ب 15,000 منشأة كان حزب الله يستخدمها. وقد قام جيش الدفاع “الاسرائيلي” خلال الحرب بتنسيق 800 قافلة نجدة و 613 مهمة إخلاء جوية وبرية وبحرية. وفي 12 آب أغسطس تمت الموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، مما أدى إلى إعلان وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. وقد دعا القرار 1701 إلى الوقف المطلق للعمليات الحربية، كما حدد المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني منطقة عازلة خالية من "الأفراد المسلحين والعتاد والسلاح باستثناء ما يتبع الحكومة اللبنانية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة – اليونيفيل"، فضلا عن توسيع عدد قوات اليونيفيل إلى حد أقصى يبلغ 15,000 جندي[4] .

ربما مجريات الحرب وتطوراتها على الأرض، معلومة لكلّ باحثٍ ومطلع، لكن الأهم في هذه الحرب بأنّها استعدت تشكيل لجنة من أجل تقييم أداء الجيش الإسرائيلي، حيث كشفت هذه الحرب معضلة كبيرة تمثلت بعدم قدرة الجيش “الاسرائيلي” حسم المعركة، وربما دخوله الحرب دون استعداد كافٍ.

وقد تم تعيين اللجنة نتيجة الخيبة الكبيرة التي شعر بها الجمهور “الاسرائيلي” خلال الحرب ونتيجتها، وقد خلصت اللجنة التي حملت اسم فينوغراد، نسبةً إلى رئيسها الياهو فينوغراد[5]:

  1. الحرب شكلت خطراً كبيراً على إسرائيل، وحملت في طيّاتها اخفاقاً كبيراً وخطيراً.

  2. شن عملية عسكرية واسعة انزلقت نحو حرب، لم تكن تستند العملية إلى خطة معدة مسبقاً، ولم تشمل تحديداً لأهداف قابلة للتحقيق والسبل الملائمة لتحقيقها.

  3. العملية البرية التي أطلقت في الأيام الأخيرة للنزاع العسكري بين حزب الله اللبناني و”اسرائيل” "لم تحقق أهدافها". وأسفرت تلك العملية عن مقتل 33 جنديا إسرائيليا، وذلك قبل 60 ساعة من دخول وقف الأعمال الحربية حيز التطبيق يوم 14 آب 2006.

  4. الدخول في الحرب دون وضع استراتيجية للخروج شكل ثغرة خطيرة، مشيرا إلى أن إدارة الحرب كانت متعثرة على المستويين السياسي والميداني وخصوصا على مستوى القوات البرية.

  5. لم تجر القيادة العسكرية، أو القيادة السياسية، أو كلتاهما معاً، في أي من مراحل الفترة موضوع البحث، أي نقاشات معمقة وشاملة في شأن مخطط العملية وأهدافها وسبل تحقيقها

  6. “اسرائيل” فشلت عسكرياً أمام تنظيم يضم بضع آلاف من المقاتلين، استطاع مواجهة أقوى جيش في الشرق الأوسط، وبدى واضحاً عدم قدرتها في استخدام قوّتها العسكرية بشكل صحيح.

  7. الجيش لم يُقدم للمستوى السياسي خطط يُمكن الاستفادة منها، وأخفق في القضاء على القدرات الصاروخية لحزب الله.

  8. عدم استعداد الوحدات النظامية وقوات الاحتياط، والارتباك داخل صفوفها، وتضارب الأوامر الصادرة عن القيادة، وعدم تحقيق الجيش أهدافه.


إلى جانب المعارك الضارية في الحرب، كبنت جبيل، ومارون الراس، والتي ترى فيها “اسرائيل” أداءً كبيراً من قبل حزب الله، أثار مخاوف كبيرة خلال الحرب، فإنّ القناعة “الاسرائيلية” المترسخة، لا زالت في طور الشعور بأنّ الحرب وإن لم تكن هزيمةً محققة لإسرائيل، فهي بالتأكيد ليست نصراً[6].

وأهم ما يُمكن تلخيصه وفق مراكز البحث الإسرائيلية، من نتائج تراكمت للحرب بعد سنوات من انطلاقها وفق ما يلي[7]:

  1. استطاعت “اسرائيل” ردع حزب الله من خلال التهديد باستخدام نموذج الضاحية، في أي حرب قادمة ضد لبنان.

  2. في نفس الوقت فإنّ حزب الله، تمتع هو الآخر من جانبه بقوّة ردع موازية لتلم التي تمتلكها إسرائيل، من خلال قدرته على تهديد كل الأراضي الإسرائيلية.

  3. ما بعد الحرب، خرج حزب الله أكثر قوّة، فهو إلى الجانب الصمود الكبير، أعاد ترميم قوّته، وحافظ على شعبية واسعة في لبنان.

  4. عدم تحقيق “اسرائيل” نصراً في الحرب، دفعها لتغيير استراتيجيتها الأمنية، التي كانت تعتمد على الحسم، وباتت تعتمد على الردع المتبادل مع قوى المقاومة.





[1]  هآرتس. (7.07.2016). 34 يوماً من الحرب. هآرتس. https://www.haaretz.co.il/st/c/prod/heb/2016/news/06/timelineLebanon/

[2]  نفس المرجع السابق.

[3]  موقع الخارجية الإسرائيلية. (2019). حرب لبنان الثانية. موقع وزارة الخارجية الإسرائيلي. القدس.

[4]  نفس المرجع السابق.

[5]  جابي سيبوني. (2016). العبر من حرب لبنان الثانية وتطبيقها. معهد دراسات الأمن القومي. https://www.inss.org.il/he/wp-content/uploads/sites/2/2017/07/%D7%A2%D7%A9%D7%95%D7%A8-%D7%9C%D7%9E%D7%9C%D7%97%D7%9E%D7%AA-%D7%9C%D7%91%D7%A0%D7%95%D7%9F-%D7%94%D7%A9%D7%A0%D7%99%D7%99%D7%94-%D7%A1%D7%99%D7%91%D7%95%D7%A0%D7%99.pdf

[6]  يريب بيلج. (2013). حرب لبنان الثانية، مرحلة تلو الأخرى. ماكو. https://www.mako.co.il/pzm-israel-wars/2006-lebanon-war/Article-025df711af2e041006.htm

[7]  كرميت فلنسي، ويورم شفايتسر. (2016). نظرية ردع حزب الله تجاه إسرائيل. معهد دراسات الأمن القومي.