من زاوية أخرى، حرب 1948 من الزاوية الصهيونية

عماد أبو عواد
04-04-2020



عماد أبو عواد\ مدير مركز القدس

حرب الاستقلال كما يُطلق عليها اليهود، والتي تتفاخر “إسرائيل” بأنّها خلالها استطاعت الانتصار على مجموعة من الدول العربية مجتمعة، وخطت طريقها نحو إقامة دولة قوّية شكلت عوامل ردع للمحيط العربي.

ووفق تسلسل الأحداث فإنّ “إسرائيل” ترى في الحرب على أنّها حرب زائدة، كلان بالإمكان تخطيها، ولكنّ التعنت العربي برفض قرار التقسيم الخاص بالأمم المتحدة، أدى إلى تدحرج الأحداث نحو الحرب[1]، الحرب التي كانت الأطول والأقسى من الناحية الإسرائيلية، من حيث عدد القتلى[2].

بدأت المرحلة الأولى من الحرب، منذ الثلاثين من تشرين ثاني عام 1947، أي يوم واحد بعد إعلان الأمم المتحدة عن قرار التقسيم، حيث بدأت قوّات عربية في غالبيتها غير رسمية، مثل جيش الإنقاذ الذي ضم جنود عراقيين وسوريين بقيادة فوزي قاوقجي، إلى جانب اندلاع مواجهات وحرب عصابات في داخل المدن المُختلطة مثل يافا وحيفا، بين العرب واليهود[3].

خلال هذه المرحلة كان عدد الجيش الإسرائيلي، حوالي 40 ألف مُقاتل كانوا موزعين على التنظيمات اليهودية المسلحة وليسوا على شكل جيش رسمي، وقد أدت هذه الأحداث إلى مقتل المئات من اليهود، خلال تفجيرات للباصات، وكذلك في المناطق اليهودية المختلفة[4]، لينتقل بعدها اليهود من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، والتي ارتكزت وفق الخطة، على الحفاظ على المناطق التي أقرّها قرار التقسيم لليهود[5]، وكسر الحصار على بعض المناطق التي وقعت تحته.

تعرض وقتها اليهود لضغط كبير من جيش الإنقاذ، وأٌجبروا على اخلاء بعض المناطق، قبل أن تتعاون التنظيمات اليهودية المختلفة، وتقوم بتوجيه ضربة قوية لجيش الإنقاذ، واحتلال بعض المناطق العربية في المدن المُختلطة، في طبريا، يافا وصفد، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل، نقطة التحوّل الحقيقة خلال الحرب[6].

الحرب ما بعد إعلان دولة "إسرائيل":

في الخامس عشر من أيار 1948، يوم واحد بعد إعلان استقلال "إسرائيل"، هاجمت قوّات خمس دول عربية، مصر، الأردن، سوريا، لبنان والعراق، حيث اقتحموا إسرائيل، وبدأوا بهجوم على كلّ المناطق، وقاموا بقصف جوي أدى إلى 40 قتيل[7]، حيث هاجمت مصر “إسرائيل” من الجنوب، سوريا ولبنان من الشمال، الأردن والعراق من الشرق، وكان الشهر الأول من الحرب، الأكثر قسوّة على الدولة الوليدة، حيث فقدت فيه الكثير من القتلى[8].

الحالة الكارثية وعدم القدرة على الصمود، كانت سمة الجيش “الاسرائيلي” مع بداية المعركة، فعلى الجبهة الجنوبية، ورغم قيام لواء جبعاتي بالتصدي للمصريين، لكنّه لم يسبب لهم الكثير من الخسائر، والغريب وقتها، أنّ الجيش المصري، أوقف التقدم، لسبب غير معلوم إلى اليوم[9]، وقد كان الشعار “الاسرائيلي” وقتها، والذي جاء على لسان نائب قائد وحدة جولاني، مائير دفيدزون، من دون القدس ستكون لنا دولة، لكن إذا فقدنا تل ابيب فلن تكون هناك دولة إسرائيلية.

وفق الرواية “الاسرائيلية” لم تكن المعارك سهلة، فقد خسر اليهود مستوطنات في النقب لصالح المصريين، مثل كيبوتس يد مردخاي، إلى جانب فقدانهم مئات من القتلى، كذلك استطاع الأردنيون على الجبهة الشرقية، وتحديداً في القدس، من حصار المربع اليهودي، وقطع الإمدادات عنه، وكذلك الحال على الجبهة الشمالية، حيث استطاع السوريون التقدم، وانسحبت بعض القوت “الاسرائيلية” باتجاه العُمق الإسرائيلي، قبل أن تصل دبابات فرنسية الصنع، ساعدت في إيقاف السوريين[10]، فيما استطاع الجيش اللبناني تحقيق تقدم كبير، وكان له الدور الأبرز في المعركة، حيث دخلت قوّاته إلى الجليل الأعلى، وسيطروا على مدينة الناصرة وجزء من الجليل الأدنى[11].

خلال هذه الفترة، وفي السادس والعشرين من أيار، أعلنت الحكومة “الاسرائيلية” برئاسة ديفيد بن جوريون عن إقامة الجيش الإسرائيلي، الذي ضم في البداية 35 ألف مقاتل، وارتفع العدد خلال الحرب إلى نحو 70 ألف مقاتل[12].

التهدئة الأولى:

في العاشر من حزيران 1948 وبعد شهر من الحرب المحتدمة، وقع الطرفان على تهدئة بناءً على اقتراح الأمم المتحدة، تهدئة كانت تعتبرها “إسرائيل” بمثابة شريان حياة، من أجل تدريب الجيش وضمان قوّات إضافية[13].

قضية التالينا:

في الثاني والعشرين من حزيران، وصلت سفينة سلاح إلى الشواطئ الإسرائيلية، هذه السفينة اشتراها تنظيم اتسل، بقيادة مناحم بيجن، الذي أراد أن يكون السلاح لتنظيم اتسل، فيما طلب بن جوريون أن يتم تحويل السفينة إلى الجيش، لكن حدث اشتباك بين الطرفين، الجيش ومن على السفينة، الأمر الذي دفع بن جوريون لأمر الجيش بقصفها[14]، على اثر ذلك قُتل 19 من الطرفين، وانسحب اتسل من الجيش الإسرائيلي[15]، قبل ان يعود اليه بعد عدّة أيام، وكانت هذه الحادثة الأقسى من الناحية الإسرائيلية، والتي تُمثل إلى اليوم حالة خلاف حول طريقة التعامل معها، وقتل اليهودي لليهودي، حتى أنّ هذه الحادثة في العقلية الصهيونية، كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية.

تجدد الحرب:

في الثامن من تموز عام 1948، ورغم مساعي الأمم المتحدة تجددت الحرب بين “إسرائيل” والدول العربية، حيث استمرت هذه الجولة عشرة أيام، خلالها مالت الكفة لصالح الجيش الإسرائيلي، حيث بدأ الجيش “الاسرائيلي” بالدخول للمناطق الفلسطينية، وتفاقمت خلال هذه الفترة قضية اللاجئين الفلسطينيين، وقد توقفت هذه الجولة بعد عشرة أيام[16]، وقتها لم يكن يريد الجيش “الاسرائيلي” ذلك، ولكن بعد ضغط كبير من الأمم المتحدة[17].

حسم الحرب:

خلال التهدئة الثانية، استغل الجيش “الاسرائيلي” ذلك، في التخطيط للسيطرة على مناطق واسعة، حيث استغل نكث التهدئة من قبل العرب، ففي الثامن والعشرين من تشرين اول 1948، كانت قوّات قاوقجي في اتجاه كيبوتس منرة اليهودي، استغلت “إسرائيل” ذلك، وقامت بهجوم مضاد سيطرت فيه على كل منطقة الجليل الأعلى[18].

وحاول على الجبهة الشرقية السيطرة على القدس الشرقية، لكنّه فشل في ذلك بسبب مقاومة قوّية من الجانب الأردني[19]، ووصل الجانبان “الاسرائيلي” والأردني إلى اتفاق وقف إطلاق نار.

الجبهة الأهم التي أمالت الكفة لصالح “إسرائيل” كانت الجبهة الجنوبية، حيث قام الجيش باستغلال نكث مصر للاتفاق، حيث طاردت القوّات “الاسرائيلية” الجيش المصري في الجنوب ووصلت إلى مناطق العريش، قبل أن تتوقف الحرب رسميا في السابع من كانون ثاني 1949. ورغم ذلك استغل الجيش “الاسرائيلي” هزيمة العرب وسيطر على مناطق أخرى مثل مدينة أم الرشراش[20] (ايلات حالياً).

ورغم أنّ الدعاية “الاسرائيلية” وبناء الأسطورة بقي مركزاً على أنّ جيش صغير لدولة صغيرة، تفوق على جيش الدول العربية مجتمعة، في إشارة إلى أنّ أقلية انتصرت على أكثرية، تبين وفق الدراسات “الاسرائيلية” نفسها، أنّ ذلك لا يلامس الحقيقة، حيث تبين أنّ الجيش “الاسرائيلي” كان أكثر عدداً من الجيوش العربية مجتمعة، حيث تمكنت “إسرائيل” ذات ال 600 ألف نسمة من تجنيد جيش عدده ثلاثة أضعاف الجيوش العربية مجتمعة[21]، مؤكدةً الدراسة أنّ العرب ارسلوا قوّات عشوائية غير منظمة، وغير راغبة في القتال، عدا عن نسبة قليلة، لم تستطع الصمود[22].







[1]  سلفين الون. (2008). حرب الاستقلال، المجريات الأساسية الخمس. متاخ (المركز التكنولوجي التعليمي). القدس.

[2] نفس المرجع السابق.

[3]  يريب بيلج. (2013). حرب الاستقلال، مرحلة، مرحلة. ماكو. https://www.mako.co.il/pzm-israel-wars/1948-war/Article-bf11a356a05a041006.htm

[4]  نفس المرجع السابق.

[5]  مئير بيعيل. (1998). حروب إسرائيل: حرب الاستقلال. مكسيم. القدس.

[6]  سلفين ألون. مرجع سابق.

[7]  موقع الكنيست. (2008). حرب الاستقلال. موقع الكنيست.

[8]  يريب بيلج. مرجع سابق.

[9]  نفس المرجع السابق.

[10]  مئير بيعيل. مرجع سابق.

[11]  يريب بيلج. مرجع سابق.

[12]  ابيجيل اورن. (1995). تأسيس الجيش بعد تأسيس الدولة. متاخ (المركز التكنولوجي التعليمي). القدس.

[13]  موقع الكنيست. مرجع سابق.

[14]  حان ميلول. (21.06.2017). عندما كانت الدولة الصغيرة على وجه حرب أهلية. هسفرونيم. https://blog.nli.org.il/%D7%90%D7%9C%D7%98%D7%9C%D7%A0%D7%94/

[15]  نفس المرجع السابق.

[16]  مئير بيعيل. (1998). حروب إسرائيل: حرب الاستقلال. مكسيم. القدس.

[17]  نفس المرجع السابق.

[18]  يريب بيلج. (2013). حرب الاستقلال، مرحلة، مرحلة. ماكو. https://www.mako.co.il/pzm-israel-wars/1948-war/Article-bf11a356a05a041006.htm

[19]  نفس المرجع السابق.

[20]  مئير بيعيل. مرجع سابق.

[21]  مورلي هبا اون. (16.04.2018). الحقيقة من وراء أقلية ضد أكثرية. بروت كدوشوت. https://parotk.com/29-%D7%A2%D7%A6%D7%9E%D7%90%D7%95%D7%AA-2018-%D7%94%D7%A2%D7%95%D7%91%D7%93%D7%95%D7%AA-%D7%9E%D7%90%D7%97%D7%95%D7%A8%D7%99-%D7%9E%D7%99%D7%AA%D7%95%D7%A1-%D7%9E%D7%A2%D7%98%D7%99%D7%9D-%D7%9E/

[22]  نفس المرجع السابق.