موقف السلطة في رفض صفقة القرن.. هل يكفي؟
فريق المركز
31-01-2020
قراءة رقم (5)
مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
مثل خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، المُعبر عن رفضه لصفقة القرن، عن الموقف العام للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وبمختلف تياراته الفكرية، ولعلّه يُعتبر الخطاب الوحدوي الوحيد منذ ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً، الذي لم يُشر الرئيس فيه إلى الخلاف بين السلطة وحماس، واصفاً تلك الخلافات بأنّها من الصغائر أمام ما يُحاك في وجه القضية الفلسطينية.
الخطاب الذي مثل رفضاً واضحاً، خلا من رؤية واضحة لمواجهة المُخطط الأمريكي، الذي بدأت “إسرائيل" بتطبيقه عملياً على الأرض، منذ أن احتلت الضفة الغربية، ووصل إلى ذروته اليوم، مع سيطرتها على 60% من الضفة الغربية، وضمّها عملياً 30%، تتمثل في 10% اقتطعها الجدار، و9.5% سيطرت عليها المستوطنات وامتداداتها، و10% أخرى تم الإعلان عنها على أنّها أراضي دولة.
فأمام الخطاب المُعبر عن الرؤية الفلسطينية، فإنّ المتوقع أن يكون أداء السلطة ما بعد الرفض ضعيفاً، وهذا ما تعوّل عليه قيادات الاحتلال، والتي ترى أنّ السلطة لن يكون بمقدورها أن تُتبع الرفض بأي خطوات عملية، الأمر الذي سيمنح "إسرائيل" المزيد من السيطرة، ضمن السيناريو الذي اتبعته منذ توقيع اتفاق أوسلو، ومنذ العام 2005 تحديداً، ترفض السلطة الخطوات الإسرائيلية، لكنّها لم تُلحق الرفض بخطوة عملية واضحة، لا بل والتزمت بمحاربة المقاومة في الضفة الغربية.
من هنا الرفض مهم، والموقف الرافض سيكون عقبة أمام تطبيق تفاصيل الخطة، إن تم الحاقه بخطوات عملية على الأرض، تجعل من الرفض ذي قيمة وذي تأثير في ظل الشعور العام لدى الصهاينة وأحلافهم الأمريكيين، وبعض الأعراب أنّ الرفض الفلسطيني مجرد حبر على ورق.
على السلطة الفلسطينية أولاً، الذهاب باتجاه مصالحة حقيقية، لا تتمثل فقط في الإعلان، بل يجب أن يتعداها ذلك، باتخاذ غزة، نقطة انطلاق في رفض الصفقة، فغزة المُحاصرة تكاد تكون البقعة العربية الوحيدة القادرة على حماية أمنها، وجعلها المقر لقيادة الحراك، بعد أن يُتمم الرئيس زيارته اليها كما أعلن، سيجعل من متخذ القرار أكثر قدرة على التحرك، وكذلك الضغط.
من الناحية الثانية، على السلطة العمل لإحياء دور الفصائل في الضفة الغربية، وتحديداً حركة حماس، وعليها أيضاً إعادة الثقة لدى الشارع الفلسطيني، الذي بات على قناعة أنّ أداء السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، ساهم بشعوره بالإحباط، وهذا ما اتضح من خلال ضعف الأداء الجماهيري في الضفة، من التعاطي مع دعوات الخروج ضد الصفقة.
ثالثاً، والأهم أن تتخذ السلطة خطوات عملية فيما يتعلق بإيقاف العمل في الاتفاقيات الموقعة مع "إسرائيل"، لأنّ تجاوز السلطة لهذه النقطة تحديداً، هو الذي بات يُمثل لدى "إسرائيل" قناعة راسخة بأنّ السلطة تحولت إلى مكسب كبير لفئة فلسطينية، لن تُسارع بالتخلي عنه، اعتماداً على نظرية، أنّ إيقاف العمل بالاتفاقيات مع "إسرائيل"، ربما يؤدي إلى انهيار السلطة.
المؤسف أنّ السيناريو الأكثر توقعاً، أن تبقى الأوضاع على حالها، وأن تكتفي السلطة بالرد، دون وجود خطوات لاحقة، الأمر الذي سيدفع "إسرائيل" للاستمرار بذات النهج الذي انتهجته منذ عقدين، استيطان دوم ردّ فلسطيني حقيقي، الأمر الذي لن يؤثر على المشروع، ولن يُزعج الاحتلال كثيراً.
وإن كان التوقع أنّ "إسرائيل" ربما لن تبدأ قريباً اعلان الضم القائم اصلاً، فإنّ سيناريو السيطرة على ال 30% الأخرى من مناطق "ج"، بدأ عملياً على الأرض، وهل بالفعل يكفي الرفض الشفهي؟، الذي لم يؤثر سابقاً، وهو بالأحرى سيكون أقل تأثيراً في المستقبل.
اعتماد السلطة على فرضية أنّ الاحتلال بحاجة لوجودها صحيح، لكنّ هذه الحاجة لن تدفع الاحتلال لتقديم شيء للسلطة الفلسطينية، يؤثر على برنامجه الاستيطاني في الضفة، والأهم من ذلك، لا يُمكن إخفاء أنّ دور الإدارة المدنية في الضفة الغربية، بات بمثابة سلطة عليا، يُمكن أن يحل مكان السلطة إن تمردت من وجهة نظر "إسرائيل".
ختاماً، دون وجود فعلٍ على الأرض، يبقى خطاب السلطة الرافض لصفقة الرقن على أهميته، حبرا على ورق، لن يؤثر على المشروع القادم، الذي سيكون أكثر خطورة من صفقة القرن، والذي ينوي اليمين الإسرائيلي من خلاله ضم كلّ الضفة الغربية، في ظل جنوح الجمهور الصهيوني بشكل عام، نحو اليمين.