نبش الذاكرة سيرة داعية ومسيرة دعوة

عوني فارس
30-06-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

عرض كتاب

نبش الذاكرة سيرة داعية ومسيرة دعوة

عوني فارس

 

عنوان الكتاب: نبش الذاكرة سيرة داعية ومسيرة دعوة

المؤلف: كمال الخطيب

تاريخ النشر: 2021

عدد الصفحات: 460

يتناول هذا الكتاب سيرة الشيخ كمال الخطيب، أحد رموز التيار الإسلامي في فلسطين، والرجل الثاني في الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي في الأرض المحتلة عام 1948، ويستعرض محطات حياته، على الصعُد الاجتماعية والدعوية والسياسية والثقافية، ويوثق جوانب مهمة من مسيرة الحركة الإسلامية، بما فيها نشأتها، والإنجازات التي حقَّقتها، والتحديات التي واجهتها. يحوي الكتاب مقدمة، وأحد عشر فصلاً، واثنين وثلاثين صورة تتناول مراحل من حياة الشيخ الخطيب ونشاطه، وخمسة وثلاثين مقالاً أبَّن فيها عدداً من الراحلين، وعلَّق على أحداثٍ ومواقف ومناسبات مختلفة[1]، وينتهي الكتاب بخاتمة وفهرس.

 الشيخ كمال الخطيب.. السيرة والمسيرة

ولد كمال حسين الخطيب في قرية "العزير" الواقعة على الطرف الجنوبي لسهل البطُّوف في الجليل المحتل في الخامس والعشرين من آب/ أغسطس عام 1962. حصل على الثانوية العامة من مدرسة "تراسنطة" في مدينة الناصرة عام 1980، ونال درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة في جامعة الخليل عام 1984، وعمل إماماً وخطيباً في مسجد عمر بن الخطاب في مدينة كفر كنا منذ عام 1984.

تأثر الخطيب في بداية حياته بالحزب الشيوعي الإسرائيلي، ثمَّ أصبح متديناً أواخر المرحلة الثانوية، وتعرَّف على أطروحات الحركة الإسلامية أثناء مجالسته للشيخين الخليليين محمد جمال النتشة وتحسين شاور، واقتنى كتبه الدعوية والتربوية الأولى "ماذا يعني انتمائي للإسلام"، و"معالم في الطريق"، و"إحياء علوم الدين"، والتقى الشيخ رائد صلاح عام 1980 وكان وقتها خريجاً، وألقى خطبته الأولى في مسجد الحرس في الخليل عام 1982، وأصبح أحد قادة الكتلة الإسلامية في جامعة الخليل.

واكب الخطيب نشأة العمل الإسلامي في الداخل المحتل عام 1948، وشارك في وضع لبناته الأولى في الجوانب الدعوية والتربوية والمؤسساتية والسياسية والثقافية، وكان جزءاً من النواة المؤَسِّسة للحركة الإسلامية، وأصبح أحد رموزها، ثم صار نائباً لرئيس الحركة الإسلامية الشمالية. يلقي الخطيب الخُطب المنبرية، وله دروس مسجدية منتظمة، كما أنَّه يكتب المقالة منذ سنوات طويلة، وقد صدر له سبعة وعشرون كتاباً تمحورت حول قضايا سياسية وثقافية واجتماعية وفكرية ودعوية.

مع الحركة الإسلامية في الداخل المحتل

حوى الكتاب شهادة مفصَّلة حول تأسيس الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة عام 1948، ومراحل تطورها، وقد افتتحها الخطيب بالحديث عن بداية انتشار ظاهرة التدين في صفوف الشباب، بفعل الزيارات الدعوية التي كان ينظمها مشايخ الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مدن وبلدات الداخل مثل أحمد ياسين ومحمد فؤاد أبو زيد وأحمد الحاج علي وأحمد البيتاوي ونصوح الراميني، وبفعل دراسة عدد من أبناء الداخل في جامعات الضفة خصوصاً جامعة الخليل التي خرَّجت خلال النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين عدداً من الدارسين للشريعة واللغة العربية، والإفراج عن مجموعة من الأسرى في سجون الاحتلال من المحسوبين على المتدينين، وكانت بواكير العمل الإسلامي تتم تحت عنوان "الشباب المسلم"، ثمَّ تأسست "الحركة الإسلامية" بين عامي (1984- 1985)، على أيدي مجموعة من العاملين في الدعوة الإسلامية ذكر منهم عبد الله نمر درويش، ورائد صلاح، وكمال الخطيب، وأبو توفيق، وعدنان عامر، وقد اختير درويش رئيساً للحركة عام 1986.

أسهب الخطيب في تعداد إنجازات الحركة الإسلامية على الصُعد الدعوية والثقافية والاجتماعية والرياضية والخدمية والسياسية، وأشار إلى تأسيس مكتبة للكتب في كفر كنا عام 1985، والبدء بفعالية الدوري الإسلامي لكرة القدم عام 1985، وإقامة مهرجان الفن الإسلامي السنوي بين عامي (1985-1990)، وافتتاح روضة أطفال في كفر كنا عام 1986، واستعرض نجاح الحركة الإسلامية في توسيع نشاطاتها، بإقامة معسكر العمل الإسلامي عام 1986، وهو عبارة عن ثلاثة أيام من العمل التطوعي يشارك فيها عدد كبير من الشباب، وقد استمر هذا النشاط لمدة أربع سنوات، وإعداد المخيمات الصيفية للأطفال عام 1986، وتأسيس مجمَّع طبي في كفر كنا عام 1987، ومركز الخوارزمي للحاسوب عام 1987، والمركز الثقافي الإسلامي عام 1987، وافتتاح كلية الدعوة في أم الفحم عام 1989، وتفعيل النشاط الإعلامي بإصدار مجلة الصراط عام 1985، ثم صحيفة صوت الحق والحرية عام 1989، وقد شكَّل عام 1989 قفزة نوعية في انخراط الحركة الإسلامية في الشأن العام بدخولها انتخابات السلطات المحلية، وفوزها بعدد من المجالس، حيث ترأس رائد صلاح بلدية أم الفحم، وجمعة القصاصي بلدية رهط، وكامل ريان بلدية كفر برا، وإبراهيم صرصور بلدية كفر قاسم، وتوفيق الخطيب بلدية جلجولية، كما شرعت الحركة بمأسسة العمل في صفوف الطلبة الجامعين فأسست لجنة شؤون الطلاب العرب عام 1991.

أخذت نشاطات الحركة الإسلامية بعداً وطنياً حين ساندت فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر لجنة الإغاثة الإسلامية بقيادة د. سليمان إغبارية، وشاركت في الوساطة بين حركتي حماس وفتح بعد أحداث مسجد فلسطين عام 1994، ورفعت الصوت عالياً ضد اتفاق أوسلو من خلال مهرجان القدس أولاً عامي 1994 و1995، وأخذت تنظِّم مظاهرات واعتصامات ضد سياسات الاحتلال، كما في المظاهرة المنددة  بمجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994، وتضامنت مع رموز النضال الوطني، كما في زيارة وفدها للشيخ أحمد ياسين في الأردن عام 1997، وزيارته في غزة في نفس العام، في المقابل اتسم نشاطها الإغاثي بالبعدين الدولي والإنساني عبر المشاركة في مؤتمرات لهيئات إغاثية دولية، وتقديم المساعدة للبوسنيين والشيشان واللاجئين السوريين، كما أنَّها انفتحت أكثر على الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي وفي الغرب.

أصبح الخطيب الرجل الثاني في الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي، وشارك في بناء جسمها التنظيمي وفي صياغة مواقفها والإشراف على مشاريعها، وقد كانت البداية في إعادة صياغة البرنامج التربوي للحركة بُعيد الانقسام عام 1996، ثمَّ تأسيس هيكليتها التنظيمية والتي توزعت على خمسة مكاتب وهي: مكتب رئيس الحركة الإسلامية، ومكتب الدعوة والتربية، والمكتب السياسي، ومكتب العلاقات الخارجية، ومكتب الإشراف والتوجيه، وأضيف إليها لاحقاً المكتب التنفيذي، وقد مثَّل كل مكتب مؤسسة كاملة من حيث "تقسيم اختصاصاته، واختيار موظفيه، والمتفرغين العاملين، وميزانيته، ومشاريعه ومخططاته" (ص 162)، وقد واكب ذلك الشروع في مأسسة العمل من خلال تأسيس جمعية لجنة الإغاثة الإنسانية، ومؤسسة حراء لتحفيظ القرآن، ومؤسسة اقرأ لرعاية الطلاب الجامعيين، ومؤسسة يوسف الصديق لرعاية الأسرى والمعتقلين، ومؤسسة الهلال لرعاية الوقف الإسلامي، ومؤسسة النقب للأرض والانسان، ومؤسسة البلاغ الإعلامي (لاحقاً مؤسسة الرسالة)، ومؤسسة اتحاد الجمعيات الإسلامية، وقد توسعت المؤسسات والجمعيات حتى بلغ عددها 35 مؤسسة وجمعية عام 2015.

 القدس والاقصى في استراتيجية الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي

تتناول المذكرات دور الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، حيث شرعت في إقامة العديد من المهرجانات السنوية بمشاركة جماهيرية حاشدة نصرة لهما مثل مهرجان الأقصى في خطر الذي نظمته الحركة الإسلامية في الفترة بين عامي (1996-2015)، ومهرجان صندوق طفل الأقصى منذ عام 2001، ومهرجان الرسم لأحباب الأقصى منذ عام 2009، ومن خلال تسيير الحافلات يومياً للرباط في الأقصى، وتنفيذ مشروع مصاطب العلم في ساحات المسجد الأقصى، وإنشاء خمسة مؤسسات تعنى بالقدس والأقصى وهي مؤسسة البيارق، ومؤسسة الأقصى، ومؤسسة مسلمات من أجل الأقصى، ومؤسسة القدس للتنمية، ومؤسسة كيو برس للإعلام، وقد لعبت الحركة الإسلامية دوراً محورياً في كشف مخططات تهويد المدينة، وشنَّت حملة إعلامية ضد سياسات الاحتلال فيها، وكان شبابها جزءاً أصيلاً من المشاركين في الدفاع عن القدس والأقصى في محطات المواجهة المختلفة داخل البلدة القديمة وفي الأحياء العربية حولها، وقد شاركت الحركة في عددٍ من المؤتمرات الخاصة بالقدس والأقصى في الأردن وتركيا، مثل مشاركة الخطيب في مهرجان الأردن في ذكرى فتح القدس الذي أقيم في مدينة العقبة عام 2013، ومؤتمري مسلمات من أجل الأقصى ونصرة الأقصى المقامين في استنبول، ومؤتمر نصرة الأقصى المقام في مدينة عمان عام 2015.

حول أسباب انقسام الحركة الإسلامية

كرَّس الخطيب جزءا من مذكراته لمسألة انقسام الحركة الإسلامية عام 1996، وقد أرجعه لثلاثة أسباب رئيسة مرتبطة بالموقف من المشاركة في الكنيست، والخلاف حول بعض المسلكيات التنظيمية المتعلقة بآلية اتخاذ القرار، وطبيعة شخصية الشيخ عبد الله نمر درويش وخياراته السياسية والفكرية.

يرى الخطيب أن مقاطعة الانتخابات البرلمانية كان الموقف الأصيل للحركة الإسلامية لسنوات، حتى تمكَّن عبد الله نمر درويش وأنصاره من الانقلاب على هذا الموقف عام 1996 ودفع الحركة لتبني فكرة المشاركة عبر عمليات كولسة، وتحشيد، ونشر أكاذيب، وتجاوز للصلاحيات التنظيمية وقواعد العمل داخل دوائر صنع القرار داخلها، في المقابل ساهمت شخصية الشيخ عبد الله نمر درويش وخياراته غير المقبولة من طرف الخطيب وتياره في الانزلاق نحو الانقسام، سواءً تلك المتعلقة بموقف درويش من النظام السياسي الإسرائيلي والمشاركة فيه، أو تعريفه للمشروع الفلسطيني الوطني وآليات تحقيقه، أو في طريقة تناوله للمدرسة الاخوانية وكبار منظريها، فقد تعارض سلوك درويش مع موقف الحركة الرافض للمشاركة في الانتخابات البرلمانية في أكثر من حدث تفصيلي، وكانت رؤيته للقضية الفلسطينية ومستقبلها موضع استهجان من الخطيب ومناصريه خصوصاً مع تلميح درويش إلى أنَّه معارض للانتفاضة الأولى، وتأييده الصريح لاتفاق أوسلو، وتماهيه مع رؤية منظمة التحرير للنضال الوطني داخل أراضي عام 1948، ونجاحه في إقناع عدد من كوادر حركة حماس بمخالفة قرار حركتهم والمشاركة في مؤسسات السلطة التشريعية والتنفيذية، ومساهمته في بلورة وثيقة جنيف عام 2003، أمَّا موقفه من رموز الحركة الإسلامية في الوطن العربي، فقد كان موضع تذمر من الخطيب وتياره، بعد قيام درويش بالاستهزاء بالقيادات التاريخية لإخوان مصر وبعض المفكرين والكُتَّاب الإسلاميين في أكثر من مناسبة.            

الشيخ كمال الخطيب في مواجهة الاحتلال ومؤسسته الأمنية  

يروي الخطيب في مذكراته أحداث أول مواجهة مباشرة له مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عام 1982 حين شارك في تظاهرة طلابية في مدينة الخليل ضد مجزرة صبرا وشاتيلا، وقد تعرض خلالها للضرب على يد قوات الاحتلال الأمر الذي أدى إلى نقله للمستشفى ثم اعتقاله لأيام، ويشير إلى أنَّه تسلَّم قراراً من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عام 1985 يقضي بمنعه من دخول الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة عامين، واعتُقل عام 2009 وأُبعد عن المسجد الأقصى، وأصيب في قدمه أثناء تصديه لاقتحام المسجد الأقصى عام 2010، واستُدعي أكثر من مرة للتحقيق من قبل مخابرات الاحتلال، وتم منعه من السفر عام 2014، كما أن دولة الاحتلال اتخذت قراراً بإخراج الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي عن القانون في السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015، وقامت الشرطة والمخابرات وحرس الحدود والوحدات الخاصة بمداهمة مكاتب الحركة في مجمع ابن تيمية في أم الفحم، ومداهمة بيوت عدد من قيادات الحركة منهم الخطيب، ومداهمة مقرات أكثر من 35 جمعية ومؤسسة تابعة للحركة تعمل في مجالات الإغاثة والصحة والثقافة والإعلام والرياضة والاقتصاد، واستمر التضييق على الخطيب حيث تم منعه من دخول القدس بين عامي (2015-2017)، واعتقل عام 2018، ومُنع من دخول الأردن عام 2019.

خاتمة

لا شك بأن هذا الكتاب مهم، ليس فقط لأهمية صاحبه ودوره البارز في النضال الوطني الذي يخوضه فلسطينيو الداخل المحتل، ولكنَّ أيضاً لكونه شهادة غنية عن مسيرة العمل الإسلامي خطَّها رجل حضر في دوائر صنع القرار في الحركة الإسلامية منذ ظهورها في النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين، ومن المهم الإشارة هنا إلى أنَّه كتاب مذكرات يحمل وجهة نظر صاحبه، ويعتريه ما يعتري هذا النوع من النصوص من نواقص هنا وهناك، والكمال لله وحده.

 

[1]  شكَّلت المقالات جزءاً من الفصول.