نبوءة زوال "إسرائيل: كيف تناولتها الأوساط الدينية والثقافية الفلسطينية

تقى فارس
21-02-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

أوراق تحليلية

نبوءة زوال "إسرائيل: كيف تناولتها الأوساط الدينية والثقافية الفلسطينية

تقى فارس

تصاعدت منذ انطلاق العام الحالي حدة النقاش حول نبوءة المفكر والباحث الإسلامي الشيخ بسام جرار[1] التي تتحدث عن زوال "إسرائيل" عام 2022، وشهد الموضوع تفاعلاً كبيرًا، خصوصًا في الأوساط الإسلامية الدينية والثقافية، وظهر ذلك جليًّا في كمية المقالات والفيديوهات والتعليقات المنشورة عن الموضوع على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي في فلسطين وخارجها[2]، وقد كانت النبوءة محطّ جدل منذ أعوام، إلا أن دخولنا عام 2022، حفَّز المتابعين على إعادة تناولها ونقاشها بكثافة.

بدأ اهتمام جرار بالملاحظات العددية في القرآن الكريم منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، ثمَّ لفت نظره رواية سردها المنظر الإسلامي العراقي محمد أحمد الراشد في محاضرة له تحدث فيها عن امرأة يهودية عراقية تنبَّأت بزوال دولة الاحتلال بعد 76 سنة من قيامها، فأخذ بدراسة النبوءة من خلال موضوع العدد في القرآن الكريم، ونشر كتابًا له بعنوان: زوال إسرائيل 2022 نبوءة أم صدف رقمية[3]، أتبعها بمواد مرئية، وضّح فيها فكرة النبوءة، وكونها مستندة على حسابات عددية في الآيات القرآنية، ولها ارتباطات بحساب الجُمّل العددي.

انقسم المهتمون بالنبوءة إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة، فقد اختار الاتجاه الأول معارضتها، وحشد جملة من الحجج والأدلة لإثبات ادعائه، في حين أيد الاتجاه الثاني النبوءة، وحاول إثبات صحتها، وكان الاتجاه الثالث محايدا، لكنَّه قدَّم فهمه للنبوءة، مع بعض التوضيحات والتساؤلات.

ساهمت النبوءة في خلق مساحة للنقاش، شمل الشيخ ومريديه وجمهوره، وعددًا من مخالفيه، وكانت العلوم الإسلامية أحد أهم مرتكزات النقاش، وكانت الحداثة الغربية والعلوم التي استندت لها حاضرة أيضًا.

التفسيرات الدينية للظواهر السياسية

يعود حضور الدين وعلومه في تفسير الظواهر السياسية إلى حقب زمنية سابقة، فقد استخدمت التفسيرات الدينية في تبنؤ العديد من الظواهر السياسية والصراعات العالمية وتبريرها، مثل قيام الدول وزوالها، والحروب، ونستحضر هنا ما روي عن المفسر الأندلسي ابن برجان من أنَّه تنبَّأ بفتح القدس، وقد حدَّد السنة والشهر واليوم قبل ستين عامًا من فتحها على يد صلاح الدين الأيوبي عام1187 [4]، أمَّا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد صدرت عدة نبوءات بزوال الاحتلال بناءً على معطيات دينية أو تحليلية أو سياسية، فتنبأ الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، بأن دولة الاحتلال لن تبقى موجودة لعام 2027، بناءً على استشفاف قرآني وتحليلي مبني على تعاقب الأجيال[5]، وتوقع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر سنة 2010 بأن دولة الاحتلال لن تكون موجودة بعد 12 سنة[6].

في نقد النبوءة

جاء أغلب المنتقدين للنبوءة من خلفيات دراسية مهتمة بالعلوم الإنسانية والطبيعية[7]، ويلاحظ أنَّهم ركَّزوا على نقد المنهج الذي قامت عليه النبوءة، معتبرين أنَّها اعتمدت على المنهج الاستنباطي الذي لا يصلح لاستخدامه في إثبات النبوءة [8]، ورأوا أنَّ النبوة تعتمد على الملاحظات العددية وليس على أسس علمية رياضية، فعلم الرياضات هو علم له قواعده ونظرياته وإثباتاته بالأدلة والبراهين وليس بالملاحظات العددية التي تقع فيها صدف الالتقاء العددي والربط بينه وبين الوقائع[9]، ولاحظوا أن النبوءة تعتمد على "الانحياز الإيجابي" القائم على التوصل إلى نتائج البحث قبل القيام به، بالانحياز إلى الأدلة المساندة للنتيجة المرجوة والتغاضي عن الأدلة التي لا تدعمها، ورأوا أنّ النبوءة انحازت لحديث المرأة اليهودية عن زوال "إسرائيل" وقامت على تتبع الملاحظات العددية وتكييفها لتثبت النبوءة[10]، كما رأت مجموعة أخرى من النقاد أنها مجرد خرافات وأوهام لا أساس لها نظرًا للحالة السياسية الراهنة، وغلب على اتباع هذا الاتجاه عدم الاستفاضة في نقد النبوءة من حيث منهجيتها وأسلوبها، إنما نقد النتيجة التي اعتبروا أنها تنافي الواقع بالإضافة إلى خلوها من نص ديني صريح يثبت صحتها[11].

لقد حذَر عدد من المنتقدين بأنَّ عدم تحققها قد يسهم في عزوف شريحة من المسلمين عن اعتبار الوحي مصدرًا أساسيًّا للمعرفة، والجنوح إلى اتباع المنهج العقلاني فقط[12]، وحذّروا أيضًا من حالة الإحباط واليأس التي ستصيب عددًا كبيرًا ممن وثقوا بالنبوءة إن لم تتحقق[13]، وما سيتبعه ذلك من الاصطدام بغياب التصور الاستراتيجي لتحرير فلسطين.

اتجاه قبول النبوءة

في المقابل يرد مؤيدو النبوءة والمؤمنون بها على هذا النقد ويحاولون دحضه بالحجج والأدلة، منطلقين من أهمية الإعجاز العددي كبرهان على أن القران الكريم معجرة إلهية وليست من صنع الإنسان، وهو إعجاز ليس بحاجة لمقدمات لغوية أو معرفية[14]، خصوصًا في زمان بات فيه المحسوس هو المعجز مقابل تراجع في إدراك البشر لمعاني الفصاحة والبلاغة، وأكدوا على استناد واضعها على منهجية واضحة، واستقراء لمعادلات رقمية وغير عبثية في دراسة الإعجاز العددي في القرآن الكريم [15]، وأن النبوءة فيها استشراف للمستقبل وزرع للأمل وتشجيع في السعي لتغيير الواقع المعاش الصعب[16]، وبالإضافة إلى الإيجابية التي يشيرون بها إلى طريقة الشيخ بسام جرار في حساب الإعجاز العددي، فإنهم يركزون أيضًا على اللحظة الراهنة حيث تشير المعطيات المحلية والعالمية إلى وصول المشروع الصهيوني أعلى تجلياته الاستعمارية[17]، كما أنَّهم قلَّلوا من شأن تداعيات النبوءة على إيمان الإنسان، فالمؤمن برأيهم لن يتأثر إيمانه بتحقق النبوءة أو عدمها[18].

اتجاه السكوت عن إبداء الرأي في صحة النبوءة من عدمه

عزفت جماعة عن إبداء رأيها الواضح والصريح في النبوءة من حيث قبولها أو معارضتها، وقد اكتفت غالبًا بتثمين الجهد المبذول في إثبات صحة النبوءة، والتأكيد على أن ما سعى له الشيخ كان اجتهادًا يؤجر عليه، وسعوا إلى توضيحها في بعض الأحيان، وتفنيد بعض الانتقادات الموجهة لها لكن دون تأييدها، والتذكير على أن جهد جرار في المجالين الدعوي والفكري لم يقتصر على هذا الجانب فقط، فقد كان له إسهامات عديدة في إثراء المكتبة الإسلامية، ورفد الأجيال المسلمة والفلسطينية على وجه التحديد، بالأدبيات الشرعية والفكرية[19].

أخذ بعض علماء العلوم الطبيعية في الرد على بعض نقاد النظرية أيضًا دون الإقرار بصحتها، فحاججوا بأن الحقائق العلمية هي حقائق نسبية وأن التجارب التاريخية العلمية أثبتت ذلك بالأدلة والبراهين، وأن اعتقادات العلماء العلمية قد تغيرت أكثر من مرة بشأن حالات محددة، وأكدوا بذلك على أن البحث العلمي هو محاولات تهدف إلى إنتاج المعرفة[20].

وكذلك ذهب عدد المختصيين في الشأن الصهيوني إلى عقد مقارنات بين نبوءة الشيخ ودراسات صهيونية تتنبأ بوقوع حرب في عام 2022[21]، وكذلك محاولات لدراسة وضع دولة الاحتلال الحالي في محاولة للإجابة على سؤال النبوءة سياسيًا من خلال التطرق إلى ضعفها داخليًا، وأيضًا هشاشة عمقها الإستراتيجي، وعدم تماسك بنيتها الأمنية الذي بينته الحروب الحالية، إلى جانب تأييد عالمي للفلسطينيين واضح، وإن دل ذلك فإنه يدل على أن الظروف مهيأة للانفجار لكنّ التوقيت يبقى مجهولًا[22].

خاتمة

حاول هذا النص عرض وجهات النظر المختلفة حول نبوءة زوال " إسرائيل" عام 2022، والتي أخذت حيزًا كبيرًا في النقاش، تجاوز حدود المتخصصين في العلوم الشرعية والإنسانية، إلى عموم الناس، ولم يكن الهدف منه إثبات أحقية طرف دون الآخر لكنه يسعى لتوثيق هذا الجدل الذي تعدى كونه نقاشًا فكريًا بل أصبح اليوم حديثًا للشارع الفلسطيني.

 

[1]بسام جرار (1948-): ولد في مدينة جنين. تخرج من كلية الشريعة في جامعة دمشق في سبعينيات القرن الماضي، وعمل محاضرًا في كلية رام الله التربوية بين عامي (1977-2009). أسس مركز نون للدراسات والأبحاث القرآنية في مدينة البيرة. عُرف بدوره الدعوي، وبنقاشاته الفكرية الساخنة مع التيارات العلمانية واليسارية في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. ركَّز اهتمامه في تفسير القرآن الكريم، والبحث في الإعجاز العددي في القرآن الكريم منذ تسعينيات القرن الماضي، له عدد من المؤلفات المنشورة، وعدد كبير من دروس التفسير المسجلة. اعتقلته قوات الاحتلال عدة مرات، وقضى أغلبها في الاعتقال الإداري، وهو أحد مبعدي مرج الزهور عام 1992.

[2] من جملة التفاعلات مع موضوع النبوءة النقاش الذي فتحه البرنامج الوثائقي: وثائقي لأول مرة الشيخ بسام جرار 2022 وزوال إسرائيل القصة كاملة|| كيف بدأت القصة. 

https://bit.ly/3HwjciF

[3]  نشر الكتاب عام 1995. أنظر: ميدان يحاور بسام جرار.. هل ستزول إسرائيل عام 2022؟  الجزيرة نت.

https://bit.ly/34fiAze

[4] وثائقي لأول مرة الشيخ بسام جرار 2022 وزوال اسرائيل القصة كاملة|| كيف بدأت القصة.

https://bit.ly/3HwjciF

[5]  شاهد على العصر، الشيخ أحمد ياسين، قناة الجزيرة.

https://bit.ly/3utkuXF

[6]  محمود عبد الهادي، نظرات وعبرات| هل ستزول إسرائيل العام القادم، الجزيرة نت.

https://bit.ly/3B29L8c

[7] بعضهم له اهتمامات بالعلوم الشرعية.

[8] ينظر: طارق أبو حمزة، منشور على الفيسبوك؛ وفيديو عبر اليوتيوب بعنوان: نبوءة زوال "إسرائيل"2022.. ولماذا تاه نيوتن.

https://bit.ly/3B3ILoO  https://bit.ly/3HvsM4Z

[9] باسم بسومي، منشور على الفيسبوك.

https://bit.ly/3B3ILoO

[10]ينظر: أشرف بدر منشور على الفيسبوك.

https://bit.ly/3B3ILoO  

[11]  "القصة الكاملة 2022": فيلم دعائي يتنبأ بزوال إسرائيل... ونقاد: كهانة وعقل ارتدادي!

https://bit.ly/3rSqTJm

[12]  ينظر: أشرف بدر، نبوءة 2022 و"الإنحياز الايجابي"، منشور على الفيسبوك.

https://bit.ly/3B3ILoO

[13] ينظر: أشرف بدر منشور على الفيسبوك.

https://bit.ly/3B3ILoO

[14] عيسى وادي، وثائقي لأول مرة الشيخ بسام جرار 2022 وزوال اسرائيل القصة الكاملة|| كيف بدأت القصة، الدقيقة 13:20

https://bit.ly/3HwjciF

[15] جواد بحر، منشور على الفيسبوك

https://bit.ly/3B3ILoO

[16] عيسى وادي، مرجع سابق، الدقيقة 51:6؛ وجواد بحر، مرجع سابق.

https://bit.ly/3HwjciF

[17] عيسى وادي، مرجع سابق.

https://bit.ly/3HwjciF

[18] ينظر: جواد بحر، مرجع سابق

[19] ينظر: ساري عرابي، وثائقي لأول مرة الشيخ بسام جرار 2022 وزوال اسرائيل القصة الكاملة|| كيف بدأت القصة؛ وعقل ربيع، منشور على الفيسبوك، ووليد الهودلي، منشور على الفيسبوك.

https://bit.ly/3HwjciF https://bit.ly/3B3ILoO

[20]  ينظر: عماد البرغوثي، منشور على الفيسبوك.

https://bit.ly/3B3ILoO

[21] كمال الخطيب، العام 2022 ومستقبل اسرائيل بين قراءة الشيخ بسام جرار وقراءة ضابط الموساد ميشكا بن دافيد.

https://bit.ly/3ut9dqG

[22] علاء الريماوي، نبوءة الزوال عبر نظرية الشيخ بسام جرار عبر واقع الكيان الأمني والداخلي، جي ميديا.

https://bit.ly/3GiV4OP