نتنياهو أداة الاستيطان في الضفة الغربية

عماد أبو عواد
17-04-2019



عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

قبل كل مفاوضات ائتلافية، منذ تشكيله حكومته الثانية في العام 2009، وصولاً إلى فوزه في الانتخابات العامة 2019، سطّر بنيامين نتنياهو مسيرة متسارعة من الاستيطان، وإن كانت تسير على ذات نهج أسلافه سواءً من الليكود أو العمل، لكنّ حقيقة وجوده على رأس هرم السلطة التنفيذية في الكيان، يدفع الباحثين لدراسة سلوكه الاستيطاني، فكراً، سلوكاً ودوافع.

وفق تقرير لمؤسسة "السلام الآن"، فقد تم بناء قرابة 20 ألف وحدة استيطانية زمن بنيامين نتنياهو، خلال ولاياته الثلاث الأخيرة، أي في العقد الأخير منذ العام 2009، وفي عهده ايضاً، 130 ألف مستوطن إضافي سكنوا في مستوطنات الضفة الغربية، في مُعطيات تُؤشر إلى أنّ الرجل كان جيداً للمشروع الاستيطاني، وللمستوطنين.

السؤال أين كان تركيز عمليات البناء؟، وفق التقرير فقد كان 70% من مشاريع البناء تلك، أي بمعدل 14 ألف وحدة استيطانية، في المستوطنات العشوائية المعزولة، بمعنى تلك التي لا زالت لا تحظى "بشرعنة إسرائيلية"، وتم بناءها دون موافقة برلمانية، لكنّها تنال دعم حكومي، وفي طور حصولها على اعتراف رسمي.

المُلفت وفق ما ذكره التقرير، أنّ 2100 وحدة بُدأ بناءها في العام 2018، بزيادة 9% عن المتوسط منذ العام 2009، وفي هذا مؤشر على أنّ رغبة نتنياهو في إرضاء حزب البيت اليهودي سابقاً، والذي أصرّ على مضاعفة عمليات الاستيطان، كان هو الهدف الأهم لنتنياهو من أجل استمرار حكومته، وضمان استمرار دعم المستوطنين، خاصة مع اقتراب الانتخابات التي انتهت بفوز اليمين قبل أيام من الآن.

إلى جانب ذلك، مئات من المؤسسات العامة تم بناءها أيضاً، (مدارس، روضات، دور عبادة وأخرى)، ثمانٍ منها كانت في البؤر الاستيطانية، 184 بناء صناعي وزراعي، 39% منها في بؤر استيطانية، كحفات جلعاد وغيرها.

تركيز البناء بنسبة 39% في البؤر العشوائية، تهدف مؤسسة الاستيطان من وراءه إلى فرض أمر واقع، يُلزم أي حكومة "إسرائيلية" في المستقبل على بدء امدادها بالخدمات، وصولاً إلى تلقيها دعم مباشر من مؤسسة رئاسة الوزراء، وإخراجها من دائرة البؤر العشوائية، تمهيداً للاعتراف بها برلمانياً، واخراجها من دائرة إمكانية تفريغها مستقبلاً، وهكذا تعمل العقلية الاستيطانية.

في العام 2018، وصل عدد الوحد الاستيطانية التي تم تقديم مخططات لبنائها، إلى نحو 5618 وحدة، 83% منها، في المستوطنات خارج التجمعات الاستيطانية الكُبرى، وهو ذات المُعطى الذي يؤشر إلى السعي الدؤوب لمجلس الاستيطان، بانتهاز كونه بيضة القبان في الحكومات الإسرائيلية الأخيرة، من أجل تحويل كلّ المستوطنات، إلى تجمعات استيطانية ذات ثقل.

مع قرابة 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس، يزداد ثقل المستوطنين مع تدحرج عجلة الزمن، وبعدما كان الاستيطان رؤية استراتيجية إسرائيلية وفق احتياجات أمنية، ازداد مؤخراً ليُصبح ضمن دائرة الأيدولوجيا والدين، والبعد الديموغرافي، ومساحة لحل أزمة السكن في الداخل المحتل.

وفق النتائج الأخيرة للانتخابات الإسرائيلية، فقد أصبحت كل الأحزاب الصغرى بيضة قبان، ودونها لا يُمكن تشكيل حكومة، الأمر الذي سيجعل حزب "اتحاد اليمين" بزعامة الصهيونية الدينية والمستوطنين، تُحدد تسارع عجلة الاستيطان، الأمر الذي سيعني أنّنا أمام الموجة الأكبر في التاريخ الاستيطاني للدولة العبرية.

لن تتوقف عجلة الاستيطان على المزيد من البناء، سواءً في المستوطنات الكُبرى أو العشوائيات، إنّما ستشهد المرحلة القادمة وبشكل عملي، ضم للتجمعات الاستيطانية، التي بات يسري عليها، بعض قوانين دولة الاحتلال، الأمر الذي سيساهم هو الآخر، بالبدء عملياً، بتسوية أمر المستوطنات العشوائية، وزيادة دعمها تمهيداً لضمها هي الأخرى.

اليمين الإسرائيلي، وخاصة الصهيونية الدينية، تُدرك أنّها أمام الفرصة الأعظم، للمسارعة في تحقيق الأحلام الصهيونية الدينية، وإن كان ذلك لا يعني أنّ غير تلك التيارات لم يكن يسير بنفس دائرة الاستيطان، لكنّ الموجة القادمة هي الأصعب والأسرع، في ظل يمين متدين، مدعوم من نظام أمريكي انجيلي.