نتنياهو فقط من يُعطل الضم!

عماد أبو عواد
12-07-2020



عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي

قبل أشهر ومع بدء العزف على ضم مناطق في الضفة الغربية، قدرنا أنّ ذلك لن يكون في الأول من تموز، وتم ربط غالبية الأسباب ضمن سياق أنّ السيطرة على الأرض عملياً موجودة، وليست "إسرائيل" في حاجة أن تُدخل نفسها في تعقيدات العلاقة مع الإقليم والعالم، هذا إلى جانب الخلاف الداخلي حيال القضية، ما بين طامعٍ بأكثر وسياسي مخضرم يريد الحد الأدنى.

في هذا السياق، وقبل التطرق لعقلية بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال، المدارس التحليلية المرتبطة بالمشروع الصهيوني، لها منطلقات متنوعة، الأمر الذي يترك دائما مساحة بفجوة كبيرة من تحليل السياسة الصهيونية، وربما يشطح في التحليل من ينظر إلى المشروع فقط من زاوية والقوّة، أو ينظر له من زاوية الضعف، الجمع بين الأمرين بواقعية، يقود في الغالب إلى الاقتراب من اتجاه رياح السياسة الداخلية في تل ابيب.

المرتبط في نتنياهو فيما يتعلق بقضية الضم، يتشابك مع قضيتين أساسيتين، الأولى رغبة نتنياهو الجامحة في الحكم، والتي ترسخت وازدادت مع وجود لائحة اتهام، والثاني هو من بقايا الكبار الذي يعي مصلحة الكيان ويُدير سفينة الكيان في هذا الاتجاه.

بالعودة للتاريخ القريب، لم يكن لدى نتنياهو توجه أيديولوجي مخالف بشكل كبير لليمين التقليدي في "إسرائيل"، وربما سلوكه في تسعينات القرن الماضي يؤكد ذلك، بمعنى أنّ نتنياهو يعي أهمية السياق الدولي، وسياق التفاهمات التي كانت موقعة مع الفلسطينيين. وحتى في تحالفاته مع عودته للحكم في العام 2009، كان تحالفه مع الوسط واليسار بما في ذلك حزب العمل.

الرغبة الجامحة للاستمرار في الحكم، دفعت نتنياهو العلماني إلى سياق غريب في التحالف، وهو وضع الحريديم في سدّة أولوياته للبقاء في أي حكومة، حيث قوة حزبي شاس ويهوداة هتوراة ثابتة، بمعدل 17 مقعداً في كلّ دورة انتخابية، حتى أنّ هؤلاء الحزبين، باتا يُظهران توجهات يمينية لم تكن لديهم سابقاً، حتى أنّ حزب شاس بات يُظهر مواقف سياسية، في سياق غريب لأهداف الحزب التي تأسس من أجلها، والمنطلقات الدينية التي بُني عليها.

من هُنا أسس نتنياهو لما يُعرف بكتلة اليمين، والتي ضمت الليكود وأحزاب الصهيونية الدينية، "إسرائيل بيتنا" حزب ليبرمان والحريديم، حيث حول هذه الكتلة إلى كتلة صلبة دفعت في اتجاه بقاءه في الحكم دون مُهدد إلى أن تمرد افيجدور ليبرمان وكسر جماح اليمين الذي ضم كتلة غير متناسقة، لكن نتنياهو استمر في قدرة تسييرها في قاربه بشكل غريب.

تمرد ليبرمان، في ظل لائحة اتهام لبنيامين نتنياهو، دفع الأخير للعب على كلّ الحبال، وحرق كلّ السفن الأوراق للبقاء في الحكم، حتى أن ذلك دفعه لإطلاق المزيد من الوعودات الانتخابية الكاذبة، كاللعب على وتر الضم لسحب أصوات الصهيونية الدينية، والتمسك بالحريديم بأي ثمن ككتلة صلبة، مُدخلاً "إسرائيل" في سياق إمّا أن أبقى وإمّا انتخابات للأبد.

الوعودات الانتخابية ليست مُلحة في التطبيق في عالم السياسية، وإن كانت ستُحرج من أطلقها وربما تؤثر عليه مُستقبلاً، لكنّ نتنياهو صاحب الخبرة، ألقى الكرة في ملعب خصمه السياسي، الذي مزقه نتنياهو ارباً، وشتت شمل حلفاءه، وأبقاه حزباً صغيراً سيكون بحجم غير ظاهر على الساحة السياسية في أي انتخابات قادمة.

أمس فقط نتنياهو غيّر الاتفاق الائتلافي، حيث منع الذهاب باتجاه الضم دون موافقة بيني جانتس!، على خلاف ما تم التوقيع عليه، والذي كان يمنع جانتس من وضع الفيتو، هذا التغيير الذي سيُظهر جانتس بطلاً أمام بقايا المركز واليسار العقلاني، على أنّه منع خطوة سياسية قد تضر ب"إسرائيل"، هذا بالضبط ما يريده نتنياهو، فهو من جانب لا يريد الضم لفهمه الواقع السياسي، ولكن في نفس الوقت يريد شمّاعة لذلك، وهو يضع عينه على انتخابات جديدة، يبدو أنّها بدأت تتهيأ مع الربيع القادم.

بقاء ملف الضم مفتوحاً، سيخدم نتنياهو كثيراً في أي انتخابات، وسيُبقي الجميع ملتفاً حول الرجل، الذي لا بديل له إلى الآن في الساحة السياسية. من هُنا فنتنياهو لن يُغامر تجاه الضم، وهو يُسيطر عملياً على الأرض، وفي ذات الوقت سيبقى البطل الوحيد في نظر اليمين الذي بإمكانه أن يضم!.