نقترب من الانفجار أم سنبقى في دائرة التصعيد؟

عماد أبو عواد
25-05-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

تقدير موقف

نقترب من الانفجار أم سنبقى في دائرة التصعيد؟

عماد أبو عواد

 

خاص- مركز القدس

 

أكثر ما يُثير الغرابة عند التعاطي مع الأحداث الجارية في الضفة الغربية بما في ذلك القدس، التساؤل هل ستتصاعد الأمور أم لا؟ والحقيقة أنّ التصعيد موجود منذ فترة طويلة ولم ينتهِ، يأخذ أشكالاً مختلفة، والأهم أنّها تتطور نحو التأثير في الاحتلال بوسائل اعتاد عليها الاحتلال إبان الانتفاضة الثانية وباتت تُعيد إلى وعي جمهوره الصورة المؤلمة لهم والحيّة بالنسبة للفلسطيني.

عشرون قتيلاً في غضون أقل من شهرين هذا العنوان المُسيطر على وسائل الإعلام والكتاب في دولة الاحتلال، في حالة تُشير إلى عُمق الأزمة التي تعانيها "إسرائيل" مع استمرار حالة المقاومة في الضفة الغربية وتصاعدها في غزة، واحتمالية تجددها في الداخل المحتل، في صورة تصعيدية مُستمرة تنتظر صاعق انفجار ليقودها إلى منحنى أكثر شمولية، وأكثر تعقيدًا بالنسبة لحكومة إسرائيلية تفتقد للأغلبية البرلمانية.

صواعق التفجير في الساحة الفلسطينية كثيرة ومتعددة، بعضها قد يستطيع المتابع، وربما متخذ القرار، ملامسته وتوقع حدوثه، وأخرى قد تُفاجئ حتى من يضغط على زر التفجير. اليوم يدور الحديث عن أمسيرة الأعلام يوم الأحد 29 أيار/ مايوواحتمالية تفجيرها للأوضاع، وعن أحداث إخرى من شأنها تفجير الأوضاع كحماقة كبرى في جنين، أو اغتيال قيادي وازن في غزة، أو اقتحام همجي للمسجد الأقصى، وأي حدث يُمكن تخيله خارج عن دائرة الأحداث المُغذية للتصعيد الحالي.

الأعين بكافة ألوانها وتوجهاتها تترقب يوم الأحد 29 أيار/ مايو، وما الذي سيترتب في حال تمت مسيرة الأعلام وفق ما يُخطط له الاحتلال وما أعلن عنه من مُخطط سير لها، وهنا سنكوم أمام مجموعة من السيناريوهات التي قد تكون حُبلى بالمفاجآت. يُناقش هذا التقدير مجموعة السيناريوهات التي يحملها الأسبوع المُقبل.

سيناريو تغيير مسار المسيرة

تعيش الحكومة الإسرائيلية في ظل ائتلاف يجعلها متعددة الرؤوس والاتجاهات، كلّ طرف يسعى لتحقيق مكاسب يُعنى بها جمهوره، خاصة في ظل القناعات أنّ هذه المرحلة هي مرحلة الدعاية الانتخابية مع احتمالية سقوط الحكومة في أي لحظة أو مع أي تصويت.

من هُنا فإنّ تغيير مسار مسيرة الأعلام مؤثر جدًّا على النظرة للحكومة، ولكن من هو المتأثر أكثر؟ بطبيعة الحال نفتالي بنت رئيس هذه الحكومة، والذي يُعتبر من الأوساط اليمينية الصهيونية الدينية، وهذا الجمهور هو المعني بهذه المسيرة بل يكاد الوحيد الذي يُشارك فيها، الأمر الذي يعني أن تغيير مسارها سيزيد من مساحة الغضب على نفتالي بنت، الذي قد يشهد حالة من الغضب الداخلي من حزبه يمينا، وبالتالي انشقاق آخرين من الحزب وسقوط سريع للائتلاف.

وهنا السؤال المركزي، إذا كانت المسيرة قد تقود إلى تصعيد وبالتالي بعدها سقوط الائتلاف، لماذا لا يتم تأجيلها قبل الوقوع في تصعيد كبير؟ الناظر بعمق إلى توليفة الحكومة يُدرك أنّ سقوطها بسبب مرور المسيرة بمسارها المعدّ، أفضل لنفتالي بنت من سقوطها بسبب تغيير المسار، لكن ليس شرطًا ألّا يستطيع الأمن فرض معادلة تغيير المسار، خاصة أنّ الشخصية المركزية المؤثرة في هذا الاتجاه بيني غانتس، لا تؤثر على رصيده أيٍّ من المعادلات القادمة، سواءً بقي المسار أم تغيّر.

لذلك الكرة الآن في ملعب الأمن، وموازنات الأمن هي الأخرى معقدة، فمسألة السيادة والسيطرة وضرورة الحفاظ على معادلة ردعٍ قوية، تجعل الأمن هو الآخر غير متلهف كثيرًا لتثبيت معادلة الانصياع للتهديد وتغيير المسار، لذلك يبقى هذا السيناريو ضئيل الحدوث وإن كان غير مستبعد بالمطلق، وربما ستفرضه التفاعلات خلال الأيام المقبلة.

استمرار التصعيد

التصعيد الحالي في الضفة الغربية والذي بات ينتقل من منطقة إلى أخرى بات يُشكل حالة إرباك لدى الاحتلال، ومن المتوقع استمرار هذا التصعيد وتصاعده في حال تمت مسيرة الأعلام، هذا التصاعد قد يحمل بين طياته تجدد سلسلة العمليات الفلسطينية، وحالة اشتباك كبير بين المقدسيين والاحتلال في مدينة القدس أثناء المسيرة وبعدها، وربما قبل انطلاقها.

بالمنطق الرياضيّاتي قد يكون استمرار التصعيد غير كاف كرد على هذا الخرق الاحتلالي، لكنه في ذات الوقت إذا ما تصاعد قليلاً سيكون مرتبطًا بالحدث. ومن المُمكن أن يترافق ذلك برد صاروخي محدود ضد مستوطنات غلاف غزة أو أبعد قليلاً، في ظل رغبة كافة الأطراف بعدم الوصول إلى انفجار كبير للأوضاع والوصول لحرب في هذا التوقيت.

تصعيد أوسع

السيناريو الثالث والذي يحتل النسبة الأعلى من بين السيناريوهات، فإنّ التصعيد الأوسع وارد في ظل الرغبة بعدم الوصول للحرب، وأيضًا تثبيت معادلة قوية من المقاومة أنّ الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس، لم يكن نزوة عابرة إنّما استراتيجية تتبناها وتُعد من أجلها.

هذا السيناريو يعتمد على احتمالية قيام المقاومة بتوسيع دائرة الاستهداف، لتصل إلى حدود المدن الكبرى في فلسطين التاريخية، الأمر الذي سيقود إلى الدخول في استهداف متبادل قد يصل إلى أيام معدودة، قبل أن تتدخل الأطراف المختلفة محاولة منع التدحرج نحو الحرب الطويلة. ويمكن ترجيح هذا السيناريو للعديد من الأسباب:

  1. المقاومة الفلسطينية

من الجانب الأول تُدرك المقاومة الفلسطينية أنّ سياسة "إسرائيل" تجاهها بما يُعرف باستراتيجية جزّ العشب، قد تلاقي ثمارها إذا ما كانت الحروب قريبة غير متباعدة، ودون تحقيق نتائج بعد أي حرب، وعلى الجانب الآخر فإنّ استراتيجية المقاومة تعتمد على الاستعداد بشكل أكبر في ظل ظروف إقليمية ودولية أفضل من أجل خوض مواجهة موسعة.

كما أنّ المزاج الشعبي العام في قطاع غزة بأكثريته رافض للحرب، ولم يتعاف القطاع إلى الآن من الحرب السابقة، في ظل حصار مطبق وتآمر إقليمي ودولي، ولا يُنسى هنا أنّ المقاومة تتحمل اليوم عبء إدارة القطاع، الأمر الذي يجعل حسابات الحرب ليست سهلة.

لكن رغم ذلك فإنّ المعادلة التي ثبتتها المقاومة لن تتراجع عنها، وبمعنى أدق فإنّ سعي المقاومة سيكون في تثبيت ما تم تثبيته خلال الحرب السابقة، ويُضاف إليه ما يُمكن تحقيقه من خلال ما يحدث في ساحة الضفة الغربية، وتُفضل المقاومة أن يكون ذلك من خلال تصعيد محدود من الجانب الأول يُجنب القطاع ويلات الحرب ولا يستنفد ذخيرة كبيرة، وعلى الجانب الآخر يُحافظ على مكانتها الردعية وعلى وتيرة العمل في الضفة الغربية.

  1. "إسرائيل"

معادلة الاحتلال تبدو أكثر تعقيدًا من تلك التي تخصّ المقاومة الفلسطينية، فمن المعلوم أنّ هذه الحرب ستكون زائدة وليس لها حاجة وفق خبراء الاحتلال، وذلك يعود إلى القناعة التامة لديهم أنّ الحرب في حال لم تؤدّ إلى أمرين فلا داعي لها، الأول نزع سلاح المقاومة وإيقاع هزيمة كبيرة بحق حماس، أو على الأقل الوصول إلى ترتيبات طويلة المدى تحفظ الأمن في الجنوب وتمنع تدهور الأوضاع كل فترة.

لذلك وفي ظل سعي نفتالي بنت وحكومته عدم التورط في حرب قد تؤدي إلى انهيار الائتلاف، وفي ذات السياق عدم التورط بتغيير مسار مسيرة الإعلام، فإنّ خيار التصعيد المحدود قد يكون السيناريو المُفضل في حال اضطرت للمواجهة، خاصة أنّها في هذه الحالة ستكون قد مررت مسيرة المتطرفين وفي ذات السياق تجنبت الحرب الزائدة.

سيناريو انفجار شامل

يبدو هذا السيناريو الذي يخشاه الجميع واردًا في عقلية كلّ الأطراف، وإن كان السيناريو أعلاه هو المرجح فإنّ هذا السيناريو قد يُبنى على سابقه، حيث إنّ أي سوء تقدير أو خطأ، أو حدث كبير خلال التصعيد سيؤدي إلى الانفجار الشامل، والذي قد يحمل بين طيّاته الكثير من الترقب حول حراك الجبهات الأخرى.

من ناحية المقاومة ستكون المخاوف كبيرة من أن تؤدي الحرب مع غزة إلى هدوء جبهة الضفة الغربية كما كانت أثناء حرب "سيف القدس"، ومن جانب الاحتلال فإنّ كابوس عودة الحراك في مدن الداخل المحتل لا زال يلاحقه إلى اليوم ويخشى من أن يكون أكثر إيلامًا وتأثيرًا.

ورغم سعي الجميع بما في ذلك الأطراف التي تحاول لملمة الأمر والوساطة حتى ما قبل الأحد 28 أيار/ مايو، فإنّ الخيارات أمام المقاومة مفتوحة لتحديد أي اتجاهات المواجهة ستكون، وفي حين يُدرك الجميع رغبة الأطراف بعدم الصدام، إلا أنّ الحقيقة أنّ لكلّ من المقاومة والاحتلال جمهور يترقب ماذا هم فاعلون، والقدس كفيلة بأن تُبقي حالة التصعيد قائمة وبوتيرة أقوى، لكن يبقى السؤال، هل زر الانفجار سيكون يوم الأحد 29 أيار/ مايو؟ ننتظر ونرى.