هبة أم انتفاضة؟

فريق المركز
07-02-2020
قراءة (6)

مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

ما بعد اعلان ترامب عن صفقة قرنه التي أجلها أكثر من مرة، والتي من الواضح أنّها صيغت في أروقة تل ابيب، ولربما لم يكن ترامب مطلعا على كل التفاصيل، سوى عمومياتٍ ظهرت أثناء القاءه الخطاب الاحتفالي، الذي حظي بعشرات المرات من التصفيق من قبل رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو.

كانت الأعين الفلسطينية تترقب ردّة الفعل السياسية الداخلية، سواءً تلك التي تُعبر عن القيادة السياسية للسلطة أو الفصائل الفلسطينية، ولم يكن الترقب من منطلق عدم توقع الرفض الفلسطيني للصفقة، بل الترقب كان منصباً في اتجاه معرفة الخطوة اللاحقة تحديداً للقيادة الفلسطينية.

الرفض الفلسطيني للصفقة هو السياق الطبيعي الذي كانت تتجه الأمور نحوه، لكن سيناريوهات التعبير عن الرفض هي التي اختلف عليها الفلسطينيين، فيما بين متفائل بأنّ الصفقة ستُساهم بتغيير الواقع الفلسطيني، نحو مصالحة حقيقية والتحام مع الاحتلال، رأى تيارٌ آخر أنّ الواقع الفلسطيني غير مهيئ للتغيير.

ما بين التيارين، تُناقش هذه القراءة، هل نحن أمام هبةٍ أم انتفاضة؟، ويُمكن بدايةً قراءة الأحداث في سياق مهم، بأنّ الضفة الغربية والتي لم تهدأ منذ العام 2014، حيث شهدت هبات متكررة، وعمليات فردية ترسخت في عقلية الشباب الفلسطيني، قد غيّرت طبيعة المواجهة التقليدية مع الاحتلال، والتي خاضتها خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

فالقول بأنّ الضفة الغربية أدارت ظهرها لمواجهة الاحتلال، فيه مجافاة واضحة للحقيقة، فمعدل العمليات الفردية في الضفة الغربية كن مرتفعاً، والتصدي لقوات الاحتلال أثناء الاقتحامات بات سمةً عامة، ومحاولة تشكيل عملٍ منظمٍ لم تهدأ. بمعنى أنّ حراك مواجهة الاحتلال أخذ شكلاً آخر، بات يتسلل إلى العقلية الفلسطينية، كأسلوب متجدد للمواجهة.

ليس المقصود هُنا بأنّ الانتفاضة الفلسطينية بشكلها الاعتيادي، قد أصبحت من الماضي الفلسطيني غير المتجدد، لكنّ الظروف الحالية تدفع باتجاه أنّ ذلك الشكل من الانتفاضة لم ينضج في المرحلة الحالية، ومرد ذلك إلى أسباب كثيرة، على رأسها الشعور بفجوةٍ بين الشعب والقيادة السياسية، ومخاوف الشعب الفلسطيني من ألّا تُستثمر تضحياته عملياً على الأرض، في ظل أنّه خاض خلال 15 عاماً، انتفاضتين لم يُحسن استثمارهما سياسياً.

من الجانب الآخر، فإنّ للانقسام الفلسطيني بالغُ الأثر على الحراك الضعيف شعبياً، حيث قوضت السلطة الفلسطينية دور الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، التي لم يعد لها مكاناً للعمل الاجتماعي والجماهيري في الضفة، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي في القدرة على تحريك الجمهور الفلسطيني.

ما بين فقدان الثقة والفجوة ما بين الشارع وقيادته، وفي ظل الانقسام المرير، فإنّ الأحداث الحالية هي أقرب للموجة منها للانتفاضة، موجةٌ ربما تنتهي خلال أيام أو أسابيع، ولكنّها بالتأكيد هي ضمن الحالة العامة في الضفة الغربية التي تنتقل من موجةٍ إلى أخرى، وما بينها حالة مستمرة من العمليات الفردية، ومحاولات العمل المنظم، وما أحمد جرار، باسل الأعرج، وعاصم البرغوثي، وعشرات من القامات الأخرى، خلال السنوات الأخيرة، سوى دليل على الحراك المستمر.

موجةٌ الهبات الفلسطينية هي مؤسس لحراك فلسطيني قادمٍ بشكل أوسعٍ مع الاحتلال، وهذا السياق الطبيعي للأحداث في الضفة، في ظل حقيقة أنّ غالبية منفذي العمليات من جيل شاب صغير، يؤمن بالمقاومة كوسيلة وحيدةٍ لمواجهة الاحتلال، في ظل كفره باتفاقيات التسوية وقناعاته بعدم جدواها.

ويبقى السؤال، هل هناك امكانيةً لتحويل الهبات إلى مواجهةٍ أكثر شمولية في ظل الوضع الراهن؟، نعم ولكن بتحقيق أمرين اثنين، الأول مرتبط بضرورة أن تلتحم السلطة بشعبها، وأن تُبادر بجسر الفوّة مع الشعب، إن أرادت وأد الصفقة سريعاً، والثاني مرتبطٌ بتحقيق مصالحة فلسطينية على أسس المقاومة للاحتلال وعنجهيته، ولربما زيارة للرئيس محمود عباس لغزة، كفيلة بتعبيد الطريق نحو الأمرين.