هزيمة إسرائيل أمام حزب الله وبداية الاستعداد للعدوان على الفلسطينيين

سري سمور
08-06-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

رأي

هزيمة إسرائيل أمام حزب الله وبداية الاستعداد للعدوان على الفلسطينيين

سري سمور

خاص- مركز القدس للدراسات

بدأ قادة الاحتلال بعد تصاعد عمليات حزب الله النوعية يتبارون في الإعلان عن نيتهم وعزمهم الانسحاب من الشريط المحتل في جنوبي لبنان.

أطلق نتنياهو تصريحات بهذا الخصوص، ولكنه لم ينفذها وبعد إطلاقها قامت صحفية إسرائيلية تعمل في (يديعوت أحرونوت)بعقد لقاء في مكان ما في لبنان (يبدو أنها استطاعت دخول لبنان بجواز سفر أجنبي) مع قيادي في حزب الله، ووصفت الصحفية أجواء اللقاء ونشرت تفصيلاته وترجم بالطبع إلى العربية.

الصحفية قالت إنها خضعت لإجراءات أمنية وطلب منها تغطية رأسها بمنديل أو (شال) وألا تبادر بمصافحة القيادي، لأنه لن يصافحها بل تضع يدها على صدرها وسيرد هو بوضع يده على صدره، وقابلها القيادي باللباس التقليدي لمشايخ الشيعة (العمامة والعباءة المعروفتان) وقالت إنه جلس مقابلها ليجيب عن أسئلتها، بحضور مرافقين ومساعدين ودخن باستمرار سجائر (جيتان) الفرنسية.

كان القيادي واثقًا من قدرة الحزب على إجبار "إسرائيل" على الانسحاب، وقال لها: ليس أمام نتنياهو خيار إلا أن ينسحب. وفي إطار الدعاية والحرب النفسية والرد على ماكنة إعلامية تصوّر من يقاوم "إسرائيل" بأنه مجرد (هاوٍ باحث عن حتفه يحب سفك دم الآخرين ويتلذذ بالقتل) قال لها في نهاية اللقاء ما معناه: "نحن أيضا نتألم وبعد أن أفرغ من لقائي معك سأذهب إلى تشييع اثنين من رفاقنا وسأنظر في عيون أهلهم وسينظرون في عيوني". هذه المقابلة مع الضغط الداخلي والميدان المشتعل تصب في صالح النهاية أي الانسحاب.

كان الوضع السياسي في "إسرائيل" يشهد عدم استقرار وائتلاف نتنياهو يعيش أزمة تتولد عنها أزمات، وهذا قاد في نهاية المطاف إلى الإعلان عن انتخابات مبكرة في "إسرائيل" وقد كان على رأس المعارضة والمنافسة الجنرال (إيهود باراك) الذي يحمل أكثر عدد من الأوسمة بسبب نشاطاته في عمليات عسكرية وأمنية مختلفة منها اغتيال القادة (كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد يوسف النجار) في شارع فردان في بيروت (1973)، وقد تفاخر في خضم الدعاية الانتخابية بهذه العملية (تناثرت أدمغتهم ودماؤهم على قبعتي) وكذلك الإشراف على اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس العاصمة (1988) والإشراف حين كان رئيس هيئة أركان جيش العدو بمعية رابين (كان رابين رئيسًا للوزراء ووزيرًا للحرب) على محاصرة منزل في بلدة بير نبالا قرب القدس احتجز فيه مقاومون من حركة حماس الجندي (نخشون فاكسمان) وهي عملية انتهت بمقتل الجندي ومقتل قائد الوحدة المهاجمة وإصابة مجموعة من الجنود الصهاينة بجروح مختلفة واستشهاد ثلاثة من المقاومين. وهذا غيض من فيض سجل باراك الإجرامي، وهو بالمناسبة كان قائد الاستخبارات قبيل انتفاضة الحجارة ويؤخذ عليه إسرائيليًّا عدم توقع اندلاعها.

وبالطبع يميل المجتمع الإسرائيلي خاصة عندما يشعر بأن خطرًا يهدده إلى تولي الجنرالات ذوي السجل العسكري الطويل مقاليد السلطة والحكم، وكان من الطبيعي أن يفوز باراك على نتنياهو الذي وإن كان قد خدم في الجيش ولكنه ترك الخدمة والتحق بالعمل السياسي والأكاديمي، بعكس منافسه القوي عسكريًّا وأمنيًّا.

ومع أن باراك أبدى تشددًا فور فوزه على نتنياهو في الانتخابات (بالاقتراع المباشر على منصب رئيس الوزراء) في الملف الفلسطيني، إلا أنه لم يتنكر لوعده فيما يخص الانسحاب من جنوب لبنان، وأعلن عن نيته الانسحاب في تموز/ يوليو 2000. وقد تولى باراك مهام منصبه في صيف 1999.

جيش العملاء ينهار والعدو ينسحب

لكن باراك وبقية قادة الاحتلال لم يستطيعوا صبرًا أمام اشتداد ضربات حزب الله حتى يحين الوقت المعلن من طرفهم، تزامنًا مع ضعف ميليشا العملاء (جيش جنوب لبنان يقيادة أنطوان لحد) فقد تبين أن جيش العملاء قد اخترقته المقاومة، وصار في داخلهم من هو جندي سرّي يعمل لصالح حزب الله، وبعض أفراده أصيبوا بالإحباط ففروا إلى داخل لبنان وسلّموا أنفسهم، وبعضهم آثر الهرب خارج المنطقة العربية كلها، وهذه الأحداث أثرت كثيرًا على الروح المعنوية في صفوف جيش العملاء.

لتكون المفاجأة بانسحاب الاحتلال قبل شهرين من الموعد الذي أطلقه باراك فاندحر الاحتلال بعد 24 سنة عن أرض الجنوب في 25 أيار/ مايو 2000 وانهار جيش العملاء وفرّ أفراده وعائلاتهم بملابس النوم والتقطت عدسات الكاميرات منظرهم وهم يصبون غضبهم على أنطوان لحد الذي كان قد أمّن نفسه بحصوله على جنسية إسرائيلية ولاحقًا افتتح مطعمًا في فلسطين المحتلة.

ولحد نفسه (نفق في 2015) أبدى غضبًا وشعورًا بالأسى من "إسرائيل" وتخليها عنه وعن جيش العملاء ولجوئها إلى انسحاب مباغت مهين دون ترتيب وضع العملاء.

وقد تابعت نقاشًا عبر التلفزيون الإسرائيلي وقتها، سُئل فيه أحد المسئولين الصهاينة عن الإهانة الواضحة لجيش العملاء فأقر بأن ما جرى مخز، واستدرك بأن "إسرائيل" لا تعامل من يتعاون معها مثلما تفعل بريطانيا أو دول غربية أخرى!

وهنا درس كبير ليت كل من يتعاون أو تراوده نفسه بالتعاون مع الصهاينة يدرك عمقه وأثره؛ فـ "إسرائيل" ترمي العملاء إلى مصير مهين يتجرعون فيه الذل وقد تتركهم لشعبهم ليقتص منهم جزاء لخدمتهم إياها!

رفض العرب الفلسطينيون في مناطق 48 بمن فيهم أعضاء كنيست عرب أن يقطن أي من أفراد جيش لحد وعوائلهم في أي مدينة أو قرية عربية وهددت الفعاليات هناك أنها ستلجأ إلى القوة لمنع مخططات إسرائيلية بهذا الخصوص.

واليهود الصهاينة عنصريون بين بعضهم، فاليهودي الشرقي (السفارديم) أقل مرتبة من اليهودي الأشكنازي وكلاهما يمارس الاستعلاء على الفلاشا (الأثيوبيين) وهكذا، فما حظ عملاء من لبنان يلاحقهم شعبهم؟

وقد انتشرت الدعارة في صفوف عوائل العملاء وبعضهم فضّل تسليم نفسه إلى السلطات اللبنانية خاصة من قدّر أنه لم يرتكب جرمًا كبيرًا أو لديه معلومات تكون فداء لنفسه.

لاحقًا اعتمدت سلطات الاحتلال أفراد جيش لحد كجنود في (جيش الدفاع الإسرائيلي) فـ "إسرائيل" دولة تحتاج إلى العنصر البشري في جيشها، ويلزم الجيش أفراد من غير اليهود خاصة للقيام بمهمات قذرة، وهي ضمنًا تتبنى فلسفة لئيمة: إذا قتل العربي في جيش اليهود عربيًّا فهذا لصالحنا، وإذا قُتل العربي في جيشنا، فخسارتنا ليست كبيرة (العربي الجيد هو العربي الميت) وإذا تم أسره لن يكون ثمن استرجاعه كبيرًا وهو لا يساوي ثمن استرداد جزء من جثة قتيل يهودي!

انتصار واضح هزّ المنطقة

"إسرائيل" أعلنت أن انسحابها يندرج ضمن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم (425) الذي ينص على انسحاب قواتها من جنوب لبنان، بعد مضي 22 عامًا على صدوره، وبالطبع هذا التستر بقرار أممي جاء للتغطية ولو جزئيًّا على عار هزيمة نكراء لحقت بالاحتلال، خاصة أن "إسرائيل" لها علامة مسجلة بالاستهتار لكل القوانين والقرارات الدولية.

وشاهد العالم عودة المهجرين إلى قراهم المحررة، وخلع أقفال سجن الخيام وتحرير الأسرى بداخله، ورفع أعلام حزب الله فوق الأماكن المحررة، وعدم وقوع فوضى أمنية أو أعمال سلب ونهب واقتتال كما كانت "إسرائيل" تروّج عن مصير المنطقة في حال انسحبت منها دون تنسيق مع الدولة اللبنانية. كل هذا لم يحدث، وسادت أجواء الفرح بالنصر. وفلسطينيًّا راقب الناس ما يجري وفرحوا أيضًا. ولهذا حديث آخر إن شاء الله.

كان للانتصار أبعاد ودروس كثيرة؛ منها أن أقوى جيش في المنطقة يحظى برعاية دول كبرى على رأسها قطب العالم الولايات المتحدة الأمريكية، يندحر أمام حزب منبثق عن طائفة من الأقليات المهمشة الفقيرة، دون ترتيبات وشروط ملزمة للدولة اللبنانية.

وأيضًا فإن لبنان عربيًّا ليس من الدول التي عرف عنها التأثير في القرارات والتوجهات العربية الرسمية، مثل مصر وسورية والسعودية والمغرب مثلاً، نظرًا لضعف قدرات الدولة عسكريًّا واقتصاديًّا وكونها دولة بنظام (الكوتا) بين الطوائف المختلفة، وشعبيًّا ينظر إلى لبنان كمكان للاصطياف والترفيه، وليس كرائد لأي مشروع عروبي جامع ولو بالشعارات، ويعرف الناس منه المطربين والمطربات والفنانين والفنانات أكثر مما يعرفون منه الساسة، كما أنه كان نموذجًا يضرب به المثل للدمار والخلافات، لدرجة نحت مصطلح (اللبننة) كناية عن شيء سيء يجب التحرز منه و اجتنابه.

الآن وبعد هذا الانتصار انقلبت النظرة تمامًا وتحوّل لبنان إلى قبلة للكرامة العربية وعنوانًا للمجد، وصار حسن نصر الله رمزًا للمقاومة التي هزمت أعتى جيش سبق وأن هزم كل جيوش العرب، والدرس الأهم الذي اتضح هو أن المقاومة خيار ناجح، وهو ما عزز معنويًّا رؤية فصائل المقاومة الفلسطينية خاصة حماس والجهاد الإسلامي، والمؤمنين بهذا الخيار من الفصائل الأخرى وعامة الناس.

وتعامل حزب الله وأمينه العام برصانة واتزان مع ما أنجزوه من نصر، معتبرين أنه ليس نصرًا لحزب أو طائفة بل لجميع اللبنانيين وكل من يؤمن بالمقاومة من الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم.

وأيضًا كان هناك شيء في غاية الأهمية، وهو أن حزب الله على لسان أمينه العام أعلن بأن المعركة لن تصل إلى نهايتها إلا بانسحاب "إسرائيل" من (مزارع شبعا) وهي منطقة تعتبرها "إسرائيل" وبتواطؤ مع الأمم المتحدة سورية لا لبنانية تخضع لسيادتها، وكذلك الإفراج عن جميع الأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي (من أبرزهم عبد الكريم عبيد ومصطفى ديراني وسمير القنطار) وإذا امتنعت "إسرائيل" عن الالتزام بهذين الشرطين فإن الحزب سيواصل عملياته القتالية. وسيكون –كما نعلم-لتعهدات الحزب ما بعدها لاحقًا.

استعداد للعدوان على الشعب الفلسطيني

لم يغب عن قادة الكيان تداعيات هزيمتهم أمام حزب الله، وأن هذا بالضرورة سيكون ملهمًا للمقاومة الفلسطينية وحواضنها الشعبية، لا سيما في ظل تعثر مسار أوسلو، ولذا بدأ العدو بإعداد العدة وتجهيز الخطط لشن عدوان دموي شرس على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وملامح هذا التجهيز قد بدت بعد ما يسمى قمة كامب ديفيد (2)، وهذا وغيره موضوع المقال أو المقالات القادمة بعون الله.

  • المواد المنشورة في موقع مركز القدس تعبّر عن آراء أصحابها وقد لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز.