هكذا يريدوننا "شعب بلا قضية"

ياسر مناع
02-09-2018

كتب: ياسر مناع - مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني





كُثر هم اللاعبون اليوم على الساحة السياسية الدولية والإقليمية الذين يساهمون في تصفية القضية الفلسطينية، وقع الإجماع بأن هذه الفترة التي نحياها اليوم نحن كفلسطينيين هي الأصعب في تاريخ قضيتنا وصراعنا مع المحتل.



 



فإذا أمعنا النظر فيما يحدث من حولنا، نستطيع أن نرى بوضوح ونعي بسهولة كيف أن أطرافاً إقليمية ودولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحت تأثير الروئ والتوجيهات السياسية في "إسرائيل" تعمل مجتمعة كلٌ بدورها المحدد لها إلى وأد القضية التي صدعت رؤوس جل قادة الدول على مر العقود، بصورة ابسط يخيل لنا بأن القضية باتت أشبه بحبة ليمون قد وقع عليها الاختيار لتكون بين فكي عصارة مصنوعة من حديد تضغط عليها من كل جانب كي تفرغ مما بداخلها.



 



إن لامسنا الصواب فهنالك أربعة عناصر متكاملة تسير متزامنة مع بعضها البعض، ولا أعتقد بأن تقدم أحدها عن الأخرى عبثاً أو صدفة، بل إن من رسم تلك العناصر ينظر إلى الثمرة التي سوف يجنيها في نهاية المطاف والمتمثلة بـ"شعب بلا قضية" أو قضية شؤون إنسانية وحياتية لمجموعة من السكان لا أكثر ولا أقل، وهذه العناصر هي:



 



اولاً: الأسرة الدولية سواء الصامته ام الفاعلية كلها تحت إمرة وقيادة الولايات المتحدة الماضية في طريقها لأنهاء القضايا الكبرى العالقة، أو كما تسمى عند الساسة " قضايا الحل النهائي "، بطريقة الرئيس ترامب فبعدما أزاح ملف القدس عن طاولة المفاوضات في ظل موقف صمت عربي وإسلامي مطبق، بل وحتى الفلسطيني خجول، جاء دور ملف اللاجئين للازاحة عبر إيقاف التمويل الأمريكي الخاص بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، حيث تعتبر أمريكا أكبر من يساهم في دعم ميزانية الوكالة إذ كانت تقدم 360 مليون دولار أمريكي بما يعادل ثلث ميزانية الوكالة، والبالغ قدرها 1.3 مليار دولار، هذا يعني بأن هنالك سحب الاعتراف بعدد اللاجئين الفلسطينيين من 5 ملايين لاجئ وإقتصارها على بضع آلاف فقط، أضف إلى ذلك أن هذا منذر بكارثة حقيقية ستشهدها الأراضي الفلسطينية متمثلة بإغلاق عدد من المدارس وعيادات صحية بالإضافة إلى توجه الآلف الموظفين نحو مقاعد البطالة.



 



ثانياً: استراتيجية الضغط الممارسة على قطاع غزة في محاولة "اسرائيلية" قديمة جديدة لتجريد المقاومة من سلاحها، دون أي مقابل أو ثمن، لذلك فإن "إسرائيل" بعدما فشلت في تحقيق هذا الهدف خلال حرب صيف 2014، لجأت إلى وسائل وطرق مسميات لتحقيق ذاك الهدف، دون أن أعلم ما الفائدة التي يجنيها البعض من ذلك إن حدث مع استبعاد حصوله.



 



ثالثاً : دولة المستوطنين في الضفة الغربية، والتي تمارس دورها بشكل اعتداءات ومصادرات يومية مدروسة من أرباب المشروع الاستيطاني الإحلالي بهدف تهجير سكان القرى المحاذية للمستوطنات من أماكن سكنهم وقُراهم، بالإضافة إلى هدم للمنازل بحجة عدم الترخيص الذي يستغرق سنوات طوال، وفوق ذلك كله الترتيبات الداخلية بين صفوف المستوطنين لإجراء انتخابات بلدية في المستوطنات، بالتزامن مع انتخابات البلديات في المدن المحتلة، بمعنى أن المستوطنات تتمتع بذات الحقوق والميزات وأكثر، مما يعني بأن الضفة الغربية أصبحت لا تختلف عن تل أبيب أو حيفا بل لربما أهم.



 



رابعاً: السياسة الإسرائيلية في تجاوز دور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، - وإن كانت مرتبطة بسابقتها إلا أني افردتها لأهميتها - وذلك من خلال التواصل المباشر مع السكان الفلسطينين عبر منسق أعمال الحكومة في المناطق تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان مثل إزالة المنع الأمني وإلغاء حظر السفر، والاستدعاءات اليومية وما شابه ذلك من أعمال تهدف إلى تجميل صورة الاحتلال في العقلية الفلسطينية وجعلها المرغوبة والمطلوبة، ولا سيما بعد وصول الانقسام الفلسطيني إلى نقطة عميقة غير مسبوقة.



 



ختاماً، لقد حان الوقت الآن "للطرق على الطاولة"، فمن باب الوجوب على القيادة الفلسطينية الرسمية والمدنية والفصائلية البحث عن طرائق مواجهة فعالة لهذه الأدوات التي تفتك بالقضية في آن واحد، والعمل على تعزيز حقيقي لموقومات صمود الشعب الفلسطيني، مبتدأة برفع العقوبات المفروضة على قطاع غزة، و تحقيق الوحدة الوطنية، بالإضافة إلى تحديد جماعي للموقف العام من المفاوضات التي لم يعد هدفها - بعد كل هذه التنازلات - قائماً وحاضراً.