هل باتت الهجرة العكسية تهدد المشروع الصهيوني ؟

عماد أبو عواد
10-06-2018
عماد أبو عوّاد - مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

( 1 )

مع تأسيس الدولة العبرية، كان الطموح الصهيوني، أن تكون الغالبية اليهودية، مستقرة في حدود الدولة التي صنعتها الدول العظمى العالمية، وبعد قرابة السبعين عاماً، من الواضح أن هذا الطموح بات وراء ظهور القيادات الصهيونية، والتي أدركت مؤخراً استحالة ذلك، مع بقاء الأمل أن يتجمّع في الأراضي المحتلة، على الأقل 50% من يهود العالم، علماً أنّ نسبة اليهود في "إسرائيل" 44% [1]من مجموع اليهود في العالم.

وفي ظل هذا السعي الدؤوب تأتي أرقام أخرى مزعجة، تقض مضاجع الجالس على كرسي الحكم في "تل ابيب"، حيث في استطلاع رأي لاتحاد الطلاب العام في "إسرائيل"، تبيّن أنّ 59% من الطلاب يُفكرون بالهجرة من البلاد[2]، ووفق الاستطلاع فقد تبيّن أن 35% منهم يبحثون عن تطوير أنفسهم مهنياً، 31% بسبب غلاء المعيشة في "إسرائيل"، 34% توّزعت بين الوضع الأمني وتراجع الدمقراطية في "إسرائيل".

ووفق المعطيات الإسرائيلية فإن السنوات الأخيرة، باتت تشهد ارتفاعاً في الهجرة العكسية، الأمر الذي جعل مؤشر الهجرة سلبي، أي أن عدد الوافدين أقل من المغادرين[3]، لكن حتى لا يتم المبالغة في الظاهرة، فإن الأرقام تشير إلى رقم سلبي ليس بالكبير، ولا يتجاوز بضع آلاف لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

حيث أظهرت الأرقام أن العام 2015، شهد هجرة سبعة عشر ألف إسرائيلي من البلاد، فيما كان عدد الوافدين نصف العدد تقريباً[4]، ويعتقد مراقبون أنه رغم المحاولة الاحتلالية الدؤوبة، لإخفاء الأرقام، كون ذلك يؤثر بشكل سلبي على المشروع الصهيوني، فإن موجة الهجرة السلبية مستمرة خلال السنوات الأخيرة، رغم المحاولات الحكومية لإخفاء الموجة.

أرقام مقلقة أظهرتها معطيات اللجنة المركزية للإحصاء، حينما أشارت أن هناك "إسرائيليين تحت الشرط"، يهاجرون من الدولة العبرية في حال تبدّلت ظروفهم، حيث بينت الأرقام أن 20%[5] من اليهود اللذين جاءوا مهاجرين للدولة العبرية، غادروها إلى دولهم التي جاءوا منها أو إلى دول أمريكا الشمالية.

وما يُثير المزيد من القلق الإسرائيلي، أنه رغم الجهود الجبارة، لاستقدام مهاجرين يهود من الخارج، فإنّ الأعوام الأخيرة شهدت تراجعاً بنسبة الوافدين من المستوطنين، بنسبة 7%[6]، فيما نسبة القلق الأكبر، تم تسجيلها مع حقيقة أنّ هناك جزء آخر من اليهود، ترك البلاد منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، دون أن يُسجل مهاجراً، أو أن يطلب ذلك، وتُشير المعطيات أن جزءاً كبيراً من أولئك، هم من حملة الدرجات العلمية العليا[7].




( 2 )

ويُمكن فهم دوافع الهجرة من خلال مُعطيات، تُقدمها اللجنة المركزية للإحصاء، من خلال الربط بين واقع الدولة التي يُهاجر منها اليهود باتجاه الدولة العبرية، ففي الوقت الذي تعرض فيه الاتحاد السوفييتي للانهيار، انهمرت الهجرة اليهودية من تلك الدول باتجاه "إسرائيل"، ولا يُمكن إخفاء الدافع الاقتصادي، لدى جزء كبير من المهاجرين، اللذين بدأوا بموجة هجرة عكسية مع تحسن أوضاع دول الاتحاد سابقاً، كما أشرنا أعلاه.

وهذا ما أكدته معطيات الهجرة اليهودية من البرازيل مؤخراً، حيث تبين أن عدد المهاجرين في العام 2017، من البرازيل التي تضم ثاني أكبر طائفة يهودية في أمريكيا اللاتينية، حوالي 120 ألف يهودي[8]، تضاعف ثلاث مرات بالمقارنة مع العام 2007، ووصل العدد إلى نحو 900 شخص، وأعادت الصحف العبرية ذلك، إلى تراجع الوضع الاقتصادي في البرازيل[9].

ووفق منتدى الهجرة الرسمي الإسرائيلي، فإن هناك 5 عوامل مشجعة للهجرة من "إسرائيل" باتجاه الخارج[10]، وضع المنتدى العامل الاقتصادي على رأسها، مشيراً إلى أن الرواتب في "إسرائيل" قليلة بالمقارنة مع دول العالم المتقدم، والعامل الثاني، كان ارتفاع غلاء المعيشة في "إسرائيل"، والتي باتت تجعلها في مقدمة دول العالم من حيث تكاليف المعيشة.

فيما كان الأمر الثالث، الوضع الأمني، غير المستقر في الأراضي المحتلة، والتي لم تعش كثيراً من فترات الهدوء، فيما العاملين الرابع والخامس، غلاء السكن وارتفاع تكاليفه، وضعف البنية التحتية في "إسرائيل" بالمقارنة مع دول العالم الخارجي.




( 3 )

الأرقام والمُعطيات أعلاه، تقودنا إلى التساؤل: هل هذه الأرقام أو على وجه الخصوص هل هذا التوجه مؤشر يبعث على القلق الإسرائيلي؟، والأبعد من ذلك الصهيوني، في ظل أنّ هذا المشروع قائم بالأصل على فكرة توطين كل اليهود في الدولة العبرية.

من الجانب الأول، لا يُمكن اخفاء أنّ المُعطيات هذه مقلقة، فهي تبعث على تآكل المشروع الصهيوني كفكرة، وتُدلل على أنّ الغالبية من اليهود، غير مرتبطين بالمشروع الاستعماري الصهيوني، وحتى نسبة من اللذين ارتبطوا بالمشروع، ربطتهم المصالح الشخصية المتعلقة بالمال والاقتصاد، وهذا ما دفع نسبة منهم لترك البلاد، ودفع نسبة أكبر للتفكير بتركها.

إلى جانب ذلك، فإنّ تراجع صورة الدولة العبرية، وتراجع ارتباط نسبة كبيرة من اليهود فيها، سيؤدي إلى خلق صورة سلبية عن المشروع ككل، وسيؤسس لوجود جيل شاب، أكثر بُعداً عن الطموح الإسرائيلي الجمعي لليهود، ومتعلقاً أكثر بدول نشأته، الأمر الذي سيوّلد، تيارين يهوديين، الأول تبنى اليهودية كدين، والثاني ربط بين اليهودية وبين الدولة العبرية.

ويُمكن ملاحظة ذلك، من خلال الصورة السلبية التي نقلها، جزء من اليهود اللذين تركوا الدولة العبرية، وحطّموا ممّا نقلوه، الصورة الوردية، عن تلك الدولة في أذهان الكثيرين، وكان لذلك انعكاس حتى على علاقة الدولة بالجاليات اليهودية في الخارج، وهنا يُمكن استحضار الخلافات الكبيرة بين "إسرائيل" ويهود الولايات المتحدة[11]، والتي باتت جُلّها تتمحور حول شكل الدولة المطلوب.

من الجانب الآخر، فإنّ التأثير السبي المفترض لتلك الأرقام، ولهذا التوجه، كانت ستكون بوتيرة أسرع لو توفرت بيئة مقاومة أكبر للمشروع الصهيوني، بمعنى أن هذا المشروع، والذي يتعرض لبعض الضربات الداخلية، يُعوض ذلك من خلال الضعف العربي في مواجهته، والأبعد من ذلك، حصوله في السنوات الأخيرة، على دعم عربي واضح، حوّل جزء من الأنظمة العربية، لشركاء في المشروع الصهيوني، وأكثر حرصاً، ربما عليه.

الأمر الآخر، والذي يبعث على بعض الطمأنينة الإسرائيلية، السؤال المطروح، ماذا عن هجرة الفلسطينيين نحو الخارج؟، ففي الوقت الذي تفقد فيه "إسرائيل" يهوداً من خلال الهجرة العكسية، تُعوض ذلك بهجرة وافدة، فإن الفلسطينيين كذلك، باتوا يعانون من وجود هجرات نحو الخارج، لكن دون إمكانية وجود هجرة فلسطينية نحو الأراضي المحتلة.

فقد أظهرت المُعطيات أن 22% من سكان الضفة، و45% من السكان في غزة، سيهاجرون لو أتيحت لهم الفرصة[12]، وأظهرت أرقام أخرى، أن 7000 فلسطيني، يتركزن الضفة الغربية في كل عام، مهاجرين نحو الخارج[13]، والجزء الأكبر منهم، يترك البلاد دون عودة.

ختاماً: موضوع الهجرة العكسية اليهودية، وتفكير نسبة كبيرة من اليهود فيها، يؤشر على ضعف المشروع الصهيوني، وأمر ستكون له ارتدادات سلبية في المستقبل على الدولة العبرية، من جوانب شتى، أهمها الفكري والثقافي، تآكل شرعية المشروع، انعكاسات اقتصادية سلبية، وتراجع للدعم الخارجي، إلّا أنّ تعجيل ذلك، يحتاج إلى خطة استراتيجية شاملة، تعمل باتجاهات مختلفة، فيها الدبلوماسية، والدعائية، إن تم العمل عليها بالشكل الوطني الصحيح، لا تقل أهمية عن المشروع المقاوم على الأرض.







[1]  https://news.walla.co.il/item/3058466

[2]  https://www.inn.co.il/News/News.aspx/374712

[3]  http://rotter.net/forum/scoops1/420270.shtml

[4]  https://www.mako.co.il/news-columns/q3_2017/Article-3fc2296b199fd51004.htm

[5]  https://www.10.tv/mmnews/136237

[6]  http://www.maariv.co.il/news/israel/Article-587004

[7]  https://www.hayadan.org.il/recipients-of-israeli-academic-degrees-who-stayed-abroad-three-years-and-more-2007161

[8]  https://www.makorrishon.co.il/economy/12869/

[9]  https://www.makorrishon.co.il/economy/12869/

[10]  http://hagira.co.il/5-%D7%A1%D7%99%D7%91%D7%95%D7%AA-%D7%91%D7%A2%D7%93-%D7%95%D7%A0%D7%92%D7%93-%D7%94%D7%92%D7%99%D7%A8%D7%94-%D7%9E%D7%99%D7%A9%D7%A8%D7%90%D7%9C/

[11]  https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5047318,00.html

[12]  https://www.arab48.com/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/2016/08/04/%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%87%D8%AC%D9%8A%D8%B1-%D8%B5%D8%A7%D9%85%D8%AA-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B6%D9%81%D8%A9

[13]  http://biladi.ps/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%86/