هل تحل الانتخابات معضلة الانقسام الفلسطيني؟

إسلام أبو عون
29-12-2020

رأي

 

هل تحل الانتخابات معضلة الانقسام الفلسطيني؟


اسلام أبو عون

تبادلت حركتا حماس وفتح الاتهامات حول المتسبب بفشل الجولة الأخيرة من المفاوضات الداخلية الفلسطينية لانهاء الانفسام المستمر منذ عام 2007، فقد قالت حركة المقاومة الاسلامية أن اعادة السلطة الفلسطينية للعلاقات مع الاحتلال الاسرائيل بما يشمل التنسيق الأمني أدى إلى تعكير صفو الاجواء الايجابية فيما اتهمت حركة فتح قيادة الحركة في غزة بتعطيل مسار المصالحة بسبب اشتراط التزامن في الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني وهو يعاكس ما تم التوافق مسبقا عليه في اجتماع الحركتين برئاسة جبريل الرجوب وصالح العاروري، وفي نفس السياق كان الشارع الفلسطيني ينتظر منذ بداية العام المرسوم الرئاسي بالدعوة للانتخابات التشريعية بعد ماراثون التفاوض الداخلي حولها وجولات حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات العليا بين الضفة والقطاع،  وتم التعذر لاحقا باستحالة قيام العملية الانتخابية في ظل منع الاحتلال لإجرائها في مدينة القدس بعد الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة موحدة للاحتلال ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، وهنا يأتي التساؤل الأوضح هل ستحل الانتخابات معضلة الانقسام الممتد لسنوات طويلة، وما الوصفة السحرية التي ستجعل من هذه العقبة الشائكة سهلة بمجرد حدوث الاقتراع؟

في بداية نقاش الأمر لا بد من التأكيد على الحق الكامل في الانتخابات لكل الشعوب،  وسقوط أي شرعية لأي نظام لم يأت بصناديق الاقتراع.  وتعد معضلة الشرعية من أعمق المعضلات التي تواجه النظم السياسية منذ فجر التاريخ،  وكانت تحصل عليها لأسباب دينية وتاريخية وقبلية وحتى ثورية واقتصادية لاحقاً، وفي العصر الحالي بات الانتخاب جزءا رئيسيا من وعي الناس بحقوقهم وذلك باختيار ممثليهم بطريقة شفافة بغض النظر عن الطريقة المتبعة، وينطبق ذلك على الشعب الفلسطيني الذي يحتاج أن يضيف إلى ذلك رسالة حضارية بوجوده واستحقاقه لقيام دولة من خلال قيامه بنموذج الحكم الراشد، والتداول السلمي للسلطة, والأهم في الحاجة للانتخابات هو انتهاء الشرعيات الفلسطينية  والتي جاءت عبر صناديق الاقتراع بعد توافق الجميع على أن تلك الطريقة المناسبة لحصول إي جهة على حق قيادة الشعب الفلسطيني , بالتالي تكون الحاجة لاجراء  انتخاب ملحة في الواقع الفلسطيني.

تم طرح الانتخابات المبكرة حتى قبيل الانقسام الفلسطيني، وذلك بسبب الحالة السائدة بعد انتخابات عام 2006 والخسارة المدوية لحركة فتح المؤسسة والمسيطرة على السلطة منذ انشائها، وطرحت الانتخابات لاحقاً بعد فشل جولات الحوار الوطني، وكان طرحها يظهر على انها بديل عن حوار لن يأتي بنتائج، وكانت الفكرة على ما يبدو أن التجربة القاسية لآخر انتخابات وما شهدته المناطق الفلسطينية من حصار واقتتال وانقسام كافية لعدم تكرار النتائج، ولكن مع تجذر الانقسام وبناء جسمين كاملين منفصلين بشكل شبه كامل وفشل المحاولات اللاحقة للمصالحة وتشكيل حكومة توافق تم اعادة طرح الفكرة ولعدة مرات آخرها في الجولة الأخيرة،  رغم أنها لم تكن على جدول الاعمال حسب ما ذكره صالح العاروري نائب المكتب السياسي لحركة حماس.

و معضلة الانتخابات ليست  في شكلها او حتى اجرائها؛ اذ يمكن اجراؤها في حالة تهدئة داخلية ورقابة من لجنة الانتخابات الوطنية المعترف بها من جميع الأطراف، مع الاتفاق على آليات حدوثها في القدس عبر الضغط على الاحتلال او ابتداع طرق أخرى تمكن المقدسيين من اعطاء أصواتهم.

وتظهر المشكلة الحقيقة في تحقيق ذلك  للهدف المرجو بتوحيد الجهاز الحكومي وانهاء الانقسام الفلسطيني، فالمعضلات التي يجب التوافق عليها ما زالت قائمة، وقد حاولت حكومة التوافق حل بعضها وفشلت بسبب عدم البناء على فكرة التوحيد وانما ضم القطاع للضفة دون الاعتراف بما بني خلال اكثر من عقد من جهاز اداري وأمني، وفي ذلك الجيش الكبير من العاملين الذي سيجدون أنفسهم خارج الوظيفة الحكومية مقابل انشاء او اعادة جهاز حكومي جديد شبيه للموجود في الضفة الغربية، أما الحكومة المنتخبة الجديدة ستجد نفسها أمام ادارتين مختلفتان في اللون والثقافة وطرق الأداء وحتى في القوانين فكيف ستقوم بالتوفيق بينهما وخاصة أن التجربة القاسية السابقة كان فيها أن مجرد الانتخاب لا يعطي حقا بتغيير أوضاع الموظفين.

ومن معضلات وضع الانتخابات حلاً للحالة الفلسطينية الراهنة أيضا، عدم وجود ضمانات لما بعد الانتخابات، فما هو الضامن لعودة الحريات وحرية العمل السياسي؟ وهل سينصاع الأمن الفلسطيني سواء في الضفة أو القطاع للحكم الجديد اذا كان من خارج لونه الحزبي؟ وما مصير آلاف الوظائف التي استحدثت خلال سنوات الانقسام؟ وكذلك مئات القوانين؟ وما ضمان الحياة التشريعية في ظل وجود المحكمة الدستورية التي أصبحت سيفاً مسلطاً عليها وقامت بحل المجلس التشريعي بدون اختصاص بذلك؟ وقبل ذلك ما ضمانة القبول بنتائج الانتخابات للخاسر على اعتبار أن نصف المصوتين تقريباً أجروا الاقتراع في مناطق حكم خصمه اللدود وحدث قبل ذلك ان اتهمت الحكومة المعارضة في عام 2005 بتزوير الانتخابات في بعض مناطق قطاع غزة رغم حكمها الكامل لتلك المناطق.

وفي ذلك السياق اسئلة كثيرة حول ضمانات اكمال المتفق عليه من الانتخابات وعدم التوقف عند التشريعية وكذلك الاتفاق على طبيعة النظام السياسي برلماني أو رئاسي وخاصة أن تلك المعضلة كانت من أسباب الانقسام .

مما سبق تظهر عدم الثقة عامل أساسي سيفشل أي مسعى لعقد الانتخابات دون تغيير جوهري في طرق التعامل مع الاوضاع الانتخابات إلا اذا كانت مناورة وقنبلة جاهزة تفجر كل حالة توافق وتوحيد الموقف، ويبقى الانقسام موجودا طالما يوفر الحكم المطلق وعدم المساءلة ويكون شماعة تعطيل الحياة السياسية او الاجراءات بحق المعارضين، ولا يظهر في الأفق حلاً غير توفر  النية الصادقة والتوافق الكامل على كل تفصيل مع اعطاء بوادر حسن النية المسبقة من الطرفين .