هل تقف خلافات فتح الداخلية حجر عثرة امام تحقيق المصالحة؟

نواف العامر
28-02-2023

يقع على عاتق العمود الفقري في الجسم البشري عبيء تماسك الجسد وقوته وتحمله مشاق الحياة ومصاعبها ومتاعبها ، وتمر قوة التحمل لدى العمود فترات مد وجزر في الصمود والصبر وإستمرارية القوة المنوطة بفقراته ومهامها ، كذلك الامر يمكن ان ينطبق على العمود الفقري لمنظمة التحرير والمقصود هنا حركة فتح برصيدها الكبير وتحملها عبيء المسؤولية الوطنية العامة لعقود ولا زالت رغم ما لحق بها من استهداف النظم المحيطة وواقع التداعيات القاتلة والناجمة عن عبورها نفق مسيرة التسوية ودفعها فاتورة باهظة لرؤيتها السياسية التي سبقت ورافقت وأعقبت اتفاق اوسلو وغياب رمزيتها الوطنية القائد ابو عمار وما اعقبه من نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتهاء بتداعيات الانقسام ابن ال16 عاما ولا زال .

وعطفا على المسؤولية التي حملتها القيادة الفتحوية في مراحل زمنية متتالية ، وخلافاتها مع انظمة عربية ، وتبعا لذلك وسواه فقد دفعت الحركة ثمنا كبيرا من تماسكها التنظيمي وإنسلاخات وإنشقاقات في بنيتها وشخصياتها ناهيك عن غياب قيادات مؤسسة جراء الحروب والاغتيالات بتنوعها الزمني والامني ، كل ذلك ترك بصماته المقلقة وذات التأثير على قوتها وحضورها في الداخل والخارج.

ولا شك ان احداث ايلول الاسود في الاردن عام 1970 والوجود الفلسطيني في لبنان والمعارك في الجنوب وبيروت والصراع مع قوى لبنانية ومع النظام السوري وقتها ومن ثم الرحيل للشتات العربي والعودة الى ارض الوطن مكبلة ببنود إتفاق أوسلوا وملاحقه ومن ثم الانقسام كان له الثقل الواضح في التماسك الذي أشرنا إليه آنفا .

وشكل الانقسام واحدة من تجليات الضعف في تماسك المشروع الوطني والتحرري العام في واحدة من تناقضات ثنائية التحرير والسلطة الدولة ، والتنازع في التمثيل والثقل الشعبي والسياسي وبرنامجي التسوية والمقاومة ، تجليات وتنازع وتأثيرات محلية ومحيطة اقليمية ودولية ، إتسعت فيها الهوة وصعبت الرتق على الراتق بل وربما سارت به للمجهول وبوابات اليأس السياسي من الاصلاحات الوطنية والعامة .

عند العودة للعنوان يمكننا طرح سلسلة من التساؤلات التي تجيب على ذاتها وربما تسير ينا في سياق التحليل المرتبط بالواقع وصولا للإجابة،دون اغفال لدروس الحياة وربطها بالجواب ، إذ أن مواسم التكاثر ترتبط عموما بموسم الربيعد وإنحسار الطقوس المؤثرة ومنها البرد الشديد .

ومن الاسئلة التي تحتاج إجابات ، فتح كحركة لم تشهد تداولا ديمقراطيا حقيقيا في اختيار القيادات ، هل تؤمن بالشراكة في داخلها البنيوي والتنظيمي حتى تؤمن بها مع الخصم المنافس الشرس وهنا المقصود حركة حماس .؟ وهل تحتاج المصالحة اجواء تفضي اليها ومنها توفير الاجواء العامة الممهدة لتنفيذها وتطبيقها .؟ وهل ترغب الحركة بالمصالحة إبتداءً.؟ وهل تملك الجاهزية لذلك وعلى رأسها الانتخابات العامة والشاملة والتي يشكل إنفاذها دفع الفاتورة الباهظة من التخلي طواعية عن مراكز قوتها في مؤسسات المنظمة والسلطة والحكومة والتشريع وفتح الأبواب أمام الخصوم .؟ وماذا عن دور المؤسسة الامنية ومواقفها بشأن المصالحة والخصوم وتشعب العلاقات مع الاقليم والعالم ، وماذا عن دعمها للقيادات والشخصيات ومراكز قوى داخل الحركة.؟ وماذا عن مواقف الاقليم والرباعية العربية والاحتلال والامريكان .؟ وهل ستبقي المصالحة الحركة على تماسكها فيما لوتمت.؟ وأخيرا هل المصالحة تشكل الآن أولوية لدى الحركة في ظل احتدام الخلافات والصراع على أشده بشأن خلافة الرئيس مع التكلس الذي أصاب المصالحة كلمت تقدمت السنوات مع ضعف الاقبال على مشروع المصالحة .؟

التساؤل الاخير هو مربط الفرس في الحالة الداخلية الفلسطينية إذ أن الجهوزية والاجواء هي التي تقودنا لسؤال مشروع : من الذي وضع العربة أمام الحصان .؟ وهل لا زال القطار يسير على السكة .؟ ولا يمكن للحركة ان تفكر بالمصالحة بينما عيون قيادتها وهمها اليومي يتطلع للكرسي وسيده القادم ، صحيح انه قد تكون بعض حالات الغزل السياسي للآخر الفلسطيني وقبول الدعوات لمناقشة المصالحة كما هو الحال مع مصر وأخيرا الجزائر لكنه لم يتجاوز ما يريده الرئيس ابو مازن ويوافق عليه ، وهو ما يدعوني للقول ان الوجه الحقيقي للمصالحة داخل فتح يمثله عضو مركزيتها عزام الاحمد وليس جبريل الرجوب الصديق السياسي والاعلامي لصالح العاروري القيادي الحمساوي ، صداقة ولقاءات اعلامية وتقارب لم يثمر شيئا ولم يسفر عن نتيجة ما .

وعلى الرغم من وجود تناغم سياسي ما بين مروان البرغوثي القيادي الاسير مع قيادات حمساوية ، ولقاءات العلاقات العامة في دول عربية ، الا ان الموقف الذي تبناه وشدد عليه توفيق الطيراوي في النصف الاخير من العام المنصرم 2022 وحديثه المتكرر عبر وسائل الاعلام عن انقلاب ناعم لحماس في الضفة مثله الفوز بمجالس طلبة الجامعات ومجالس بلدية ومحلية ونقابات مهنية ، حديث يعبر عن تيار داخل الحركة يعلنها بالصوت العالي ان لا مصالحة مع حماس ولا قبول بها حتى لو فازت عبر صناديق الاقتراع .؟ من يرفض الاعتراف والقبول بانتخابات محلية وطلابية ونقابية كيف له أن يقبل بمشاركتها في النتخابات العامة والاقرار بالنتائج بل والتسليم بحقها في المشاركة .

رسائل الطيراوي في اتجاهات عدة ومنها غزل للقاعدة الفتحاوية والشعبية واتحاداتها التي أبعد منها وعنها ومن جامعة الاستقلال في محاولة للقول انه الأقوى والأحرص على المواجهة مع البعبع الداخلي الحمساوي ، وأن سواه ممن يغازلونها ليس من حقهم البقاء في السدة ومنح الاصوات لهم في قادم الايام .

التسريبات المتتالية والتراشق المعلن والمبطن بين قيادات بارزة وإلقاء التهم ، اضافة لتسريبات لجنة التحقيق باغتيال ابو عمار ، صبت الماء البارد على كانون المصالحة وربما أجهزت على ما بقي فيه من جمر وحرارة ، ووجهت البوصلة نحو حدة الخلافات ومؤشرها المتنامي في سباق الوصول للكرسي وتقاسم المكاسب الداخلية والكعكعة في مؤسسات المنظمة والسلطة والحركة .

العمل على انجاز المصالحة من أهم أبجدياته الذهاب للانتخابات العامة والشاملة ، فهل تتفق قيادة حركة فتح على انجازها وهي التي تعلم مسبقا انها ستفقد مقاعد في التشريعي والوطني والحكومة وربما تفقد مقعد الرئاسة في حال دعمت حماس مرشحا ما في سباق انتخبات الرئاسة ، فهل سيبقي ذلك على تماسك الحركة التي واجهت صعوبات في تشكيل واعلان قائمتها للانتخابات التشريعية الملغاة والتي لم تنعقد .؟ وهل الخلافات الداخلية في الحركة اصلا ستفضي لعملية ديمقراطية وتوابعها .؟

قد يقول قائل ان هناك تيارا داخل الحركة يرغب بتحقيق المصالحة ويدعمها ، ويجيب على ذلك فريق آخر بغياب تأثير وحضور الفئة الداعمة ، وهو ما يوصلنا لصلب الموضوع بأثر الخلافات الداخلية السلبي على تحقيق المصالحة ويؤجلها بل ويلقي ملفاتها مجارير الانتظار وأصعب ما في الحياة الانتظار .

صحيح ان الاولوية الفتحاوية الان لخلافة الرئيس ابو مازن كما أسلفنا ، الا انه من المنطقي الاشارة الى اهمية ما تنظر اليه القيادات بالحفاظ على السلطة والمصالح والمنافع ووحدة النظام السياسي لحد ما ، بينما تتغير التحالفات والولاءات الداخلية بين مراكز القوى باستمرار ، فيما ينظر قياديين من الحركة لحماس والمصالحة معها بأنها لا زالت جزء من الحركة الوطنية ، إعتراف مشروط بالقبول بما وقعت عليه المنظمة .

وربما كانت الزيارة الاخيرة لوزير خارجية الادارة الامريكية بلينيكن لرام الله ولقاؤه العاصف مع الرئيس ابو مازن وما كشفت عنه تسريبات من اطلاق التهديدات بالخضوع او الرحيل ، قد خلطت المزيد من الاوراق ووسعت الهوة بين رؤى ورؤية قيادات من الحركة لجعل ملف المصالحة وراء ظهرها ، من يدري .؟ ربما تقرب تفاصيل المواجهات المتصاعدة في القدس وشمال الضفة وربما فتح جبهة غزة وسواها ، إعادة المصالحة على الطاولة ، وربما تكتب شهادة وفاتها وتكتب عناوين مرحلة سياسية جديدة .