وقفات في ذكرى انطلاقة حماس

إسلام أبو عون
23-12-2020






   كتب:     اسلام أبو عون

تحتفل حركة المقاومة الاسلامية حماس في الرابع عشر من ديسمبر من كل عام بذكرى انطلاقتها، ومع زيادة عمرها تزداد التساؤلات حول ما قدمته الحركة خلال مسيرتها في مختلف الجوانب، وعن الانتكاسات التي وقعت فيها ومستقبل الحركة في ظل الوضع الصعب الراهن سواء على القضية الفلسطينية او عليها كحركة .

انطلقت حركة المقاومة الاسلامية بالتوازي مع اندلاع  الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ومثلت إضافة نوعية أثرت الحركة السياسية الفلسطينية والعمل النضالي الذي سيطرت عليه قبل  ذلك القوى الوطنية واليسارية منذ الاحتلال مع مشاركة محدودة ومختلف عليها من الاسلاميين؛ فقد كانت الاتهامات بتجنب المواجهة توجه بشكل واضح لجمهور جماعة الاخوان في فلسطين والتي بدأت تتوسع بشكل كبير مع انتشار الصحوة الاسلامية في مطلع الثمانينات،  وقد استفادت الحركة من ذلك فور انطلاقها وحصلت على قاعدة شعبية كبيرة مكنتها من فرض فعالياتها خلال الانتفاضة ولو بشكل منفرد بعد أن تجنبت فصائل منظمة التحرير الاعتراف بالحركة الوليدة وحاربتها سواء من باب العداء القديم للإسلاميين وهناك من ذهب لإثارة الشبهات حول انطلاقها وهي اتهامات ما زال بعض المتشنجين يحاولون احياءها رغم التاريخ النضالي الكبير الذي قدمته الحركة .

مرت مسيرة الحركة خلال ثلاث وثلاثين عاماً بعدة مراحل ساهمت في تطور عملها من جميع النواحي؛ فمن الناحية العسكرية فقد بدأت الحركة بالوسائل الشعبية ثم تطورت للعمليات المسلحة وصولاً للوضع الراهن حيث تبني الحركة جيشا منظما بعتاد يمكنه من التصدي للحروب الاسرائيلية على قطاع غزة، وخلال ذلك قدمت الحركة الالاف بين شهيد وأسير وجريح وأثخنت في عدوها نحو ذلك من قتلى وجرحى وتوجت بعمليات الأسر التي مكنت الحركة من ابرام أول صفقة تبادل للأسرى في الداخل الفلسطيني أفرج بموجبه عن عدد كبير من الاسرى وما زالت تحتفظ بعدد من الأسرى في انتظار صفقات تبادل أخرى.

وفي الصعيد السياسي فقد تطورت الحركة من حركة اسلامية تمثل فرعاً للإخوان المسلمين إلى حركة وطنية تخاطب الجمهور بمختلف انتماءاته وحقق لها قبولا مكنها من الفوز بشكل كبير في الانتخابات الفلسطينية الوحيدة التي شاركت فيها، كما انتقلت الحركة من الميداني إلى الاقليمي والدولي عبر الخطاب السياسي المنضبط  وبناء العلاقات مع الدول والمنظمات مع الاخذ بعين الاعتبار الصعوبات والانتكاسات في هذا الجانب نتيجة التغيرات المتلاحقة في المنطقة.  وقدمت الحركة  كذلك تجربة في العمل الاجتماعي من خلال المؤسسات التي أسستها وساهمت في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحداث والتحديات ، ووصل العمل المؤسسي إلى تشكيل ادارة حكومية  تسير أوضاع القطاع في ظل الانقسام الفلسطيني المؤسف المستمر منذ وقت طويل .




وبالرغم من الانجازات التي لا يمكن أن ينكرها منصف، إلا أن الحركة تعرضت لانتكاسات وتحديات جعلت  واقعها صعباً وتظهر خياراتها محدودة جداً، ويأتي في بداية هذه التحديات الانقسام الفلسطيني المستمر منذ 14 عاماً في ظل عدم ظهور علامات على قرب انتهائه،  وبعيداً عن مناقشة الدوافع والاحداث والاتهامات وتحمل المسؤوليات في هذا الموضوع يبقى الشرخ الداخلي أخطر ما تعرضت له الحركة ، وأكثر الامور استنزافاً لها؛  فقد تحولت من حركة مقاومة ومواجهة إلى جهة مسؤولة عن اغاثة وحياة 2 مليون فلسطيني في القطاع المحاصر اسرائيليا وعربيا والمعاقب بفعل اجراءات السلطة، ويؤدي ذلك إلى استنزاف مواردها وكذلك حاضنتها الشعبية التي بات دعم المقاومة مكلفاً لها في ظل عدم وجود أمل بحل المشكلات المعيشية، ومن آثار الانقسام الكارثية على حماس ايضا  ابعادها واجتثاثها من الضفة الغربية وهي الساحة الأكبر والأهم للصراع مع الاحتلال،  وتحت هذه الذريعة تم تفكيك الحركة وتعرض ابناءها للملاحقة وحلت مؤسساتها وأبعدت عن المساجد ومراكز التأثير وهناك حالة حظر شديدة تتعرض لها تشبه ما تتعرض له جماعة الاخوان المسلمين في كثير من الدول العربية، بالتالي يظهر التعامل الفوري مع كل أمل للتخلص من هذا العبء مع الحفاظ على المنجزات العسكرية التي تراكمت خلال السنوات ، من اجل التفرغ لتحقيق الاهداف التي انطلقت من اجلها الحركة وكذلك النضال الفلسطيني المعاصر.

ومن المشكلات التي تتعرض لها الحركة . انتصار الثورة المضادة وخاصة في مصر التي كانت مقتلاً للحركة حيث تم اقصاء الجماعة الام وتحالف النظام الجديد مع تل ابيب دون مواربة وساهم لاحقاً في موجة التطبيع التي تشبه اعلان التحالف مع اسرائيل، وترتبط هذه الموجة بعداء المقاومة الفلسطينية والقضية وحتى الرواية الفلسطينية وما ينتج عن ذلك من قطع للعلاقات وتجفيف للموارد التي ساهمت في دعم الحركة خلال مسيرتها. ويبدو الخروج من هذه المعضلة صعباً في انتظار تحولات مفاجئة تمكن الشعوب من قرارها وبالتالي عودة القضية الفلسطيينة للصدارة .

ما تقدم قراءة مبسطة للحركة في ظل انطلاقتها، وتبقى دراسة الحركة  بحاجة لكتابة موسعة ودراسات تعطي الموضوع حقه وتخلص بنتائج وتوصيات لتغيير الواقع الحالي للحركة وللقضية التي باتت من أطول الصراعات في العالم الحديث  .